الثلاثاء، 13 ديسمبر 2016

الجمهرة الخامسة من كتاب ( الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ) للخطيب البغدادي رحمه الله


حكم رفع اليدين في تكبيرات صلاة الجنازة . للشيخ وليد القاضي المصري

كنت في جنازة وتكلم إمام المسجد قبل صلاة الجنازة ثم تطرق للكلام عن صفة صلاة الجنازة ومما قاله وأكد عليه : عدم رفع اليدين مع كل تكبيرة من تكبيرات الجنازة بل وأنكر أشد الإنكار على من يرفع يديه مع التكبيرات الأربع وقال : لا ترفع اليد إلا مع التكبيرة الأولى فقط " أ.هـ
مع أن قول جمهور العلماء برفع اليدين مع كل تكبيرة من تكبيرات الجنازة .
فجمعت لي ولكم ما وقفت عليه من آثار في هذه المسألة .
أولاً : القائلون بالرفع وأدلتهم :
1 - عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة على الجنازة " صحيح : رواه البخاري في " رفع اليدين " ( 183 ) وابن أبي شيبة في " مصنفه " ( 11498 ) والشافعي في " الأم " وفي " مسنده " وغيرهم
2 – عن غيلان بن أنس أن عمر بن عبدالعزيز كان يرفع يديه في كل تكبيرة من تكبير الجنازة " صحيح : رواه البخاري في " رفع اليدين " ( 188 ) وابن أبي شيبة في " مصنفه " ( 11499 )
3 – عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة ومن خلفه يرفعون " صحيح رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " ( 11500 )
4 – عن موسى بن نعيم مولى زيد بن ثابت قال : من السنة أن ترفع يديك في كل تكبيرة في الجنازة " صحيح رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " ( 11501 )
5 – عن خالد بن أبي بكر قال : رأيت سالماً كبر على جنازة أربعا يرفع يديه عند كل تكبيرة " صحيح : رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " ( 11502 )
6 – عن عمر بن أبي زائدة قال : صليت خلف قيس بن أبي حازم على جنازة فكبر أربعاً يرفع يديه في كل تكبيرة " صحيح : رواه البخاري في " رفع اليدين " ( 185 ) وابن أبي شيبة في " مصنفه " ( 11503 )
7 – عن ابن عون قال : كان محمد بن سيرين يرفع يديه في الصلاة وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع وكان يفعل ذلك مع كل تكبيرة على الجنازة " صحيح : رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " ( 11507 )
8 – قال أبو الغصن رأيت نافع بن جبير يرفع يديه مع كل تكبيرة على الجنازة " صحيح : رواه البخاري في " رفع اليدين " ( 187 )
9 – عن عبدالله بن العلاء قال : رأيت مكحولاً صلى على جنازة وكبر عليها أربعاً يرفع يديه مع كل تكبيرة " صحيح : رواه البخاري في " رفع اليدين " ( 189 )
10 - قال صالح بن عبيد رأيت وهب بن منبه يمشي مع جنازة فكبر أربعاً يرفع يديهمع كل تكبيرة " صحيح : رواه البخاري في " رفع اليدين " ( 190 )
11 – عن عبدالرزاق بن همام الصنعاني عن معمر بن راشد عن الزهري أنه كان يرفع مع كل تكبيرة على الجنازة " صحيح : رواه البخاري في " رفع اليدين " ( 191 )
12 – وعن الحسن البصري أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة على الجنازة " صحيح رواه البخاري في " رفع اليدين " ( 198 )
13 – قال ابن حجر في " تلخيص الحبير " : وقد صح عن ابن عباس أنه كان يرفع يديه في تكبيرات الجنازة " رواه سعيد بن منصور
14 – وقال الشافعي في " الأم " : " وكذلك يرفع يديه إذا كبر على الجنازة عند كل تكبيرة "
وقال أيضاً في " الأم " : ويرفع المصلي يديه كلما كبر على الجنازة في كل تكبيرة للأثر والقياس على السنة في الصلاة فإن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في كل تكبيرة كبرها في الصلاة وهو قائم .
ثم روى رحمه الله بسنده إلى ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يرفع يديه كلما كبر على الجنازة "
ثم قال : وبلغني عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير مثل ذلك وعلى ذلك أدركت أهل العلم ببلدنا
15 – وقال أبو داود في " مسائله " : رأيت أحمد يرفع يديه مع كل تكبيرة على الجنازة إلى حذاء أذنيه "
وفي " مسائل الإمام أحمد " رواية ابنه عبدالله قال : سألت أبي عن الصَّلاة على الجنازة قلت لأبي يرفع يديه مع كل تكبيرة قال نعم رُوِي ذلك عن ابن عمر
16 - وفي الأوسط لابن المنذر ( 3130 ) بعد أن ذكر أثر ابن عمر . قال : وبه قال عطاء وعمر بن عبدالعزيز وقيس بن أبي حازم والزهر وسالم بن عبدالله بن عمر , وَرُوِّينا ذلك عن مكحول والنخعي وموسى بن نعيم وبه قال الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه . واختلف فيه عن مالك فحكى ابن وهب عنه أنه قال : يعجبني أن يرفع اليدين في التكبيرات الأربع , وحكى ابن نافع عنه أنه قال : استحب أن يرفع يديه في التكبيرة الأولى "
قال ابن المنذر : بقول ابن عمر أقول اتباعاً له ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما بين رفع اليدين في كل تكبيرة يكبرها المرء وهو قائم وكانت تكبيرات العيدين والجنائز في موضع القيام ثبت رفع اليدين فيها قياساً على رفع اليدين في التكبير في موضع القيام ... "
إلى أن قال : وقالت طائفة : ترفع اليد في أول تكبيرة من الصلاة على الميت ثم لا ترفع بعده . كذلك قال : الثوري وأصحاب الرأي , وُوِيَ ذلك عن النخعي خلاف القول الأول عنه "
- قال أبو إسحاق الشيرازي في " المهذب " : والسنة أن يرفع يديه مع كل تكبيرة لما روي عن عمر رضي الله عنه كان يرفع يديه على الجنازة في كل تكبيرة " وعن عبد الله بن عمر والحسن بن علي رضي الله عنهم مثله وعن زيد بن ثابت , وقد رأى رجلاً فعل ذلك فقال : أصاب السنة ولأنها تكبيرة لا يتصل طرفها بسجود ولا قعود فيسن لها رفع اليدين كتكبيرة الإحرام في سائر الصلوات " أ.هـ
قلت : أثر عمر إسناده منقطع ولكن صح عن ابنه عبدالله بن عمر وقد سبق ذكره
تنبيه :
القائلون بالرفع مع كل تكبيرة أحياناً يستدلون بروايتين مرفوعتين
الرواية الأولى رواها الدارقطني في " العلل " من طريق عمر بن شبة عن يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى على الجنازة رفع يديه , وإذا انصرف سلم " وهذا الحديث ضعيف مرفوع , ولكنه صح موقوفاً عن ابن عمر كما سبق
قال الدارقطني في " العلل " : اختلف عن يحيى بن سعيد فرواه عمر بن شبة عن يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد مرفوعاً , وغيره يرويه عن يزيد بن هارون عن يحيى موقوفاً , وكذلك رواه أبو حمزة السكري وعياش بن عباس عن يحيى بن سعيد موقوفاً , وكذلك رواه عبيدالله عن نافع عن ابن عمر من فعله موقوفاً وهو الصواب . - أما الرواية الثانية رواها الطبراني في " الأوسط " من طريق عباد بن صهيب عن عبدالله بن محرر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه عند كل التكبير في كل صلاة وعلى الجنائز "
وهذه الرواية سندها تالف فعبدالله بن محرر متروك الحديث . قال البخاري :منكر الحديث وقال أحمد : ترك الناس حديثه وقال يحيى بن معين : ليس بثقة وقال أبو حاتم الرازي : متروك الحديث وقال أيضاً منكر الحديث ترك حديثه ابن المبارك وقال أبو زرعة : متروك الحديث وقال الجوزجاني : هالك – أي هالك الحديث – وقال ابن عدي : رواياته عن من يروي عنه غير محفوظة
أما الراوي عنه وهو : عباد بن صهيب فمتروك أيضاً . قال علي بن المديني : ذهب حديثه , وقال البخاري : متروك , وقال ابن أبي شيبة : تركنا حديثه , وقال النسائي : ليس بثقة , وقال أبو حاتم متروك الحديث ضعيف الحديث ترك حديثه , وقال ابن حبان : كان قدرياً داعية ومع ذلك يروي أشياء إذا سمعها المبتدئ في هذه الصناعة شهد لها بالوضع .
---------------------------------------------------------------
ثانياً : القائلون بعدم الرفع وأدلتهم :
سفيان الثوري وأبو حنيفة ورواية عن مالك ورواية عن النخعي وحجتهم :
1 – ما رواه الترمذي في " سننه " ( 1077 ) , والبيهقي في " الكبرى " ( 6744 ) من طريق إسماعيل بن أبان الوراق ... ورواه ابن عدي في " الكامل " ( 7 / 271 ) , والدارقطني في " سننه " ( 2 / 74 ) من طريق الحسن بن حماد سجادة ... كلاهما ( إسماعيل والحسن ) عن يحيى بن يعلى الأسلمي قال حدثنا يزيد بن سنان عن زيد بن أبي أنيسة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى على جنازة رفع يديه في أول التكبير ثم يضع يده اليمنى على يده اليسرى " قال البيهقي في " الصغرى " : وهو مما تفرد به يزيد بن سنان
والحديث ضعيف جداً لعلتين : الأولى : ضعف يزيد بن سنان المكنى بأبي فروة وقد تفرد كما قال البيهقي . قال يحيى بن معين : يزيد بن سنان ليس بشئ وقال على بن المديني : ضعيف الحديث وقال أحمد : ضعيف وقال أبو داود : ليس بشئ وقال النسائي : ضعيف متروك الحديث وقال أيضاً : ليس بشئ . وقال غيرهم فيه نحو ذلك
الثانية : ضعف يحيى بن يعلى الأسلمي أبو زكريا الكوفي . قال البخاري : مضطرب الحديث وقال ابن معين : ليس بشئ وقال البزار : يغلط في الأسانيد وقال ابن حبان : يروي عن الثقات المقلوبات فلا أدري ممن وقع ذلك منه أو من الراوي عنه أبي ضرار بن صرد فيجب التنكب عما رويا .
الحديث الثاني الذي استدل به القائلون بعدم الرفع :
رواه العقيلي في " الضعفاء " ( 3 / 449 ) , والدارقطني في " سننه " ( 2 / 75 ) من طريق الحجاج بن نصير عن الفضل بن السكن عن هشام بن يوسف عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه على الجنازة في أول تكبيرة ثم لا يعود " والحديث ضعيف جداً لعلتين أيضاً :
أحدهما : جهالة الفضل بن السكن قال العقيلي : لا يضبط حديثه وهو مع ذلك مجهول . وقال الذهبي : كذبه ابن معين وقال ابن حجر : لا يُعْرَف . ضعفه الدارقطني العلة الثانية : ضعف الحجاج بن نصير قال البخاري : يتكلمون فيه و قال مسلم في " الكنى والأسماء " : عن شعبة وهشام الدستوائي متروك الحديث وقال يحيى بن معين : ضعيف وقال على ابن المديني: الحجاج بن نصير ذهب حديثه. وقال ابن أبي حاتم سمعت أبي يقول: الحجاج بن نصير منكر الحديث، ضعيف الحديث، ترك حديثه، كان الناس لا يحدثون عنه . قال ابن حجر في " تلخيص الحبير " : روى الدارقطني من حديث ابن عباس وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى على الجنازة رفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود " وإسنادهما ضعيفان ولا يصح فيه شئ وقد صح عن ابن عباس أنه كان يرفع يديه في تكبيرات الجنازة " رواه سعيد بن منصور أ.هـ
------------------------------------------ خلاصة ما توصلت إليه : مما سبق يتبين لي أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث مرفوع في عدم الرفع . والوارد المرفوع ضعيف جداً , وكذلك لم يثبت عن أحد من الصحابة قال بعدم الرفع . أما الآثار عن التابعين فقد ثبت عن إبراهيم النخعي والحسن بن عبيدالله النخعي , وبهذا القول – أي عدم الرفع – قال : سفيان الثوري وأبو حنيفة ورواية عن مالك وابن حزم . أما القائلون بالرفع مع كل تكبيرة فلم يثبت لهم أيضاً حديث مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم يقول بالرفع والوارد المرفوع ضعيف لا يصح . أما عن الصحابة فقد ثبت وصح عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما كما مر وسبق . أنهما كانا يرفعان مع كل تكبيرة من تكبيرات الجنازة , ويُرْوى ذلك أيضاً عن عمر بن الخطاب والسند منقطع , وأنس بن مالك . أما الآثار عن التابعين فثبت وصح عن الكثير منهم . منهم : عمر بن العزيز وعطاء وموسى بن عبيدة مولى زيد بن ثابت وسالم بن عبد الله بن عمر وقيس بن أبي حازم ومحمد بن سيرين والحسن البصري ونافع بن جبير ومكحول ووهبه بن منبه ومحمد بن شهاب الزهري وعروة بن الزبير وسعيب بن المسيب ورواية عن النخعي بخلاف روايته الأولى . وبهذا القول قال : ابن المبارك والأوزاعي وإسحاق بن راهويه والشافعي وأحمد ورواية عن مالك ورواية عن أبي حنيفة . والقول بالرفع مع كل تكبيرة هو قول الجمهور وعليه أكثر أهل العلم للآثار الصحيحة والثابتة كما سبق , وقد نص على ذلك الترمذي في سننه .
هذا ما تيسر جمعه في المسألة وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

وليد القاضي المصري

الجمهرة الرابعة من كتاب ( الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ) للخطيب البغدادي رحمه الله