الجمعة، 28 يوليو 2017

قالوا عن زواج الأقارب

قالوا عن زواج الأقارب
▬▬▬▬▬▬▬
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد
أقول مستعيناً بالله بأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً صحيحاً مرفوعاً إليه يحث فيه على الزواج من الأقارب أو ينهى فيه عن الزواج من الأقارب بل تركه لاختيار الناس ، والحالات التي وقعت منه أو في زمنه صلى الله عليه وسلم من تزويج الأقارب دليل على أن زواج الأقارب ليس بحرام ؛ ولكن وقوع هذه الحالات ليست دليلاً على أن الأمر فيه استحباب أو ندب كما يقول الظاهرية قال شيخي الشيخ أبو علي الشامي : (( والحنفية والمالكية لم يتكلموا لا على الأقارب ولا الأباعد كأنهم لم يروا سنة في ذلك أو أن كلاهما سنة )) ، فالأمر ليس عبادة توقيفية نحن مطالبين بإقامتها كما فعلها صلى الله عليه وسلم كهيئة الصلاة ومناسك الحج وغير ذلك من أمور العبادة التوقيفية كما سيأتي من كلام للشاطبي رحمه الله ، ولا يخفى علينا أن زواج الأقارب مفضل في بعض المجتمعات القبلية لأسباب كثيرة منها الرغبة في الاحتفاظ بالثروة داخل الأسرة ، وانفراد الآباء بالقرار وكأن البنت سلعة تباع وتشترى ، وتحتم التقاليد الجاهلية عليها ألا تتزوج إلا ابن عمها أو ابن عمتها أو ابن خالها أو ابن خالتها أو من قريتها أو قبلتها ، وإن كانت لا ترغب هي في هذا الزوج لقلة تقواه أو لوجود شُقة في الفكر بينها وبينه أو لعدم الميول القلبي إليه ، وكم من فتيات ظُلمت في ذلك فزوجت ثم طُلقت أو عاشت مظلومة مع هذا الزوج طوال عمرها ، وكم من فتيات ظُلمت بسبب ذلك ولم تتزوج لعدم تقدم أحد من أقربائها لها ورفض أهلها زواجها ممن تقدم إليها من عائلة أخرى وكأنهم هم شعب الله المختار في أرضه وللإمام الشافعي كلام شديد في ذلك كما سيأتي إن شاء الله .
📕 قال شيخي الشيخ أبو علي الشامي :
(( هناك ما يسمى ثقافة العائلة في زواج الأقارب لا تتطور أما في زواج الأباعد فتتلاقح الثقافات )) .
📕 قال الشاطبي رحمه الله :
(( وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْعَادَاتِ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ، وَهَذَا كافٍ فِي كَوْنِ الْقَصْدِ إِلَى الْحَظِّ لَا يَقْدَحُ فِي الْأَعْمَالِ الَّتِي يَتَسَبَّبُ عَنْهَا ذَلِكَ الْحَظُّ، بَلْ لَوْ فَرَضْنَا رَجُلًا تَزَوَّجَ لِيُرَائِيَ بِتَزَوُّجِهِ، أَوْ لِيُعَدَّ مِنْ أَهْلِ الْعَفَافِ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، لَصَحَّ تَزَوُّجُهُ، مِنْ حَيْثُ لَمْ يشرع فيه نية العبادة من حيث هو تَزَوَّجَ فَيَقْدَحَ فِيهَا الرِّيَاءُ وَالسُّمْعَةُ، بِخِلَافِ الْعِبَادَاتِ الْمَقْصُودِ بِهَا تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى مُجَرَّدًا )) (1) .
📕 قلت ( ابن الغندور ) : ومعنى كلام الشاطبي رحمه الله أن الزواج يرجع إلى عادات الناس ودنياهم فهو مبني على تحصيل المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها والأمر في دنيا الناس متروك لهم بشرط عدم مخالفة الشرع فعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ [ أي : النخل ]، فَقَالَ: (( لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ )) قَالَ: فَخَرَجَ شِيصًا، فَمَرَّ بِهِمْ فَقَالَ: (( مَا لِنَخْلِكُمْ ؟ )) قَالُوا: قُلْتَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ:
(( أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ )) (2) .
إذا فالأمر في دنيا الناس كما سبق ذكره متروك لهم بشرط عدم مخالفة الشرع ومن مخالفة الشرع ظُلم البنت وإجبارها على من لا تريد فانتبه .
وعليه فإذا صح ما يقوله بعض الأطباء من أن زواج الأقارب ينتج عنه نسل ضعيف، بل هو واسطة لإظهار الصفات المَرَضيِّة الكامنة وتكثيفها في النسل فلا ينبغي محاربة قول الأطباء هذا بحجة أن هناك حالات وقعت والقرآن ينزل ولم يحرمها خاصة وأنه سبق هؤلاء الأطباء في أبحاثهم علماء قدامى يحثون في كلامهم على تغريب الزواج ويقولون باستحبابه كما سيأتي من كلام للإمام الشافعي وغيره .
📕 قال شيخي الشيخ أبو علي الشامي :
(( تغريب النكاح فيه شبه إجماع من الفقهاء على استحبابه ، والناحية الشرعية أولى من الناحية الطبية وهي تقارب المسلمين من بعضهم فإن أهل العائلة الواحدة أو البلد الواحد بينهم رابطة العائلة أو القبيلة أو البلد فلا يحتاجون إلى تقوية وأما عند التغريب فتضاف إلى ذلك رابطة أخرى ليست موجودة في زواج الأقارب وهي رابطة المصاهرة في الإسلام وإنشاء وتقوية الروابط بين المسلمين ، ونظر الفقهاء إلى الواقع من ناحية التقاطع بسبب المشاكل الزوجية والطلاق وتسرب الأسرار الزوجية إلى الأهل فهذه الثلاثة وجودها خارج العائلة أخف ضرراً والشريعة مبنية على تحصيل المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها )) .
وإليك بعض مما ورد من أقول أهل العلم القدامى في ذلك :
📕 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
(( رَوَى إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ قَالَ عُمَرُ لِآلِ السَّائِبِ قَدْ أَضْوَأْتُمْ فَانْكِحُوا فِي النَّوَابِغِ. قَالَ الْحَرْبِيُّ يَعْنِي تَزَوَّجُوا الْغَرَائِبَ )) (3) .
📕 قال ابن منظور رحمه الله : (( اغْتَرِبُوا لَا تُضْوُوا أَي تَزَوَّجُوا فِي البِعَادِ الأَنْسابِ لَا فِي الأَقَارِبِ لِئَلَّا تَضْوَى أَوْلادُكُمْ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ انْكِحُوا فِي الغَرائِبِ دُونَ القَرائِبِ، فإِنَّ ولَد الغَرِيبَةِ أَنْجَبُ وأَقْوَى، وولَد القَرَائِبِ أَضْعَفُ وأَضْوَى؛ ... وَمَعْنَى لَا تُضْوُوا أَي لَا تَأْتُوا بأَوْلادٍ ضَاوِينَ أَي ضُعفَاءَ )) (4) .
📕 وقال إبراهيم الحربي رحمه الله :
(( قَالَ أَعْرَابِيٌّ مَا قَرْقَمَنِي إِلَّا الْكَرَمُ , رَجُلٌ مُقْرَقَمً : سَيِّئُ الْغِذَاءِ , يَقُولُ : أُمِّي ابْنَةُ عَمِّي , وَكَانَ عِنْدَهُمْ أَنَّ ابْنَ الرَّجُلِ مِنَ ابْنَةِ عَمِّهِ يَكُونُ صَغِيرًا ضَعِيفًا , وَإِذَا كَانَتْ غَرِيبَةً كَانَ أَقْوَى لِوَلَدِهَا وَأَطْوَلَ , فَمِنْ ثَمَّ قَالَ : (( اغْتَرِبُوا لَا تُضْوُوا )) أَيْ تَزَوَّجُوا الْغَرَائِبَ وَلَا تُضْوُوا : تَأْتُوا بِأَوْلَادٍ ضَاوِينَ مَهَازِيلَ )) (5) .
📕 وقال الإمام الشافعي رحمه الله :
(( أَيُّمَا أَهْلِ بَيْتٍ لَمْ تَخْرُجْ نِسَاؤُهُمْ إلَى رِجَالٍ غَيْرِهِمْ كَانَ فِي أَوْلَادِهِمْ حُمْقٌ )) (6) .
📕 قلت ( ابن الغندور ) : ومن تأمل في كلام الشافعي رحمه الله وما يقوله بعض الأطباء الآن يجد أن الأمر أبعد مما يتصوره الناس من أن الإعاقات في زواج الأقارب محصورة في الشلل البدني أو ضعف البنية الجسدية عند الأولاد ، فكلام الشافعي واضح جداً بأن من يقتصرون على تزويج بناتهم لأقاربهم فإن ذلك يمس ذكاء الأولاد فيصيبهم بالحمق وهذا لا يلتفت إليه كثير من الناس فانتبه ! والإسلام مدح أصحاب العقول أولى الألباب وحثنا على التفكر والتدبر وكلما زاد ذكاء الطفل زاد تفكيره وتدبره في خلق الله بعد كبره وزاد نفعه للناس من حوله ، وهذا لا يمنع من وجود أولاد أذكياء أبائهم وأمهاتهم أقارب ولكنها حالات قليلة ، والحالات القلية النادرة لا يعتد بها ولا يقاس عليها ولا تعمم .
📕 وقال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله :
(( وَيَخْتَارُ الْأَجْنَبِيَّةَ، فَإِنَّ وَلَدَهَا أَنْجَبُ، وَلِهَذَا يُقَالُ: اغْتَرِبُوا لَا تَضْوُوا يَعْنِي: انْكِحُوا الْغَرَائِبَ كَيْ لَا تَضْعُفَ أَوْلَادُكُمْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْغَرَائِبُ أَنْجَبُ، وَبَنَاتُ الْعَمِّ أَصْبَرُ؛ وَلِأَنَّهُ لَا تُؤْمَنُ الْعَدَاوَةُ فِي النِّكَاحِ، وَإِفْضَاؤُهُ إلَى الطَّلَاقِ، فَإِذَا كَانَ فِي قَرَابَتِهِ أَفْضَى إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ الْمَأْمُورِ بِصِلَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ )) (7) .
📕 وقال النووي رحمه الله :
((ويستحب دينة بكر نسيبة ليست قرابة قريبة )) (8) .
📕 وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله :
(( نَحَافَة الْوَلَدِ النَّاشِئَةِ غَالِبًا عَنْ الِاسْتِحْيَاءِ مِنْ الْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ مَعْنًى ظَاهِرٌ يَصْلُحُ أَصْلًا لِذَلِكَ وَعَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَرِيبٌ بَعِيدٌ إذْ الْمُرَادُ بِالْقَرِيبَةِ مَنْ هِيَ فِي أَوَّلِ دَرَجَاتِ الْخُؤُولَةِ وَالْعُمُومَةِ وَفَاطِمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بِنْتُ ابْنِ عَمٍّ فَهِيَ بَعِيدَةٌ وَنِكَاحُهَا أَوْلَى مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ لِانْتِفَاءِ ذَلِكَ الْمَعْنَى مَعَ حُنُوِّ الرَّحِمِ ، وَتَزَوُّجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْنَبِ بِنْتِ جَحْشٍ مَعَ كَوْنِهَا بِنْتَ عَمَّتِهِ لِمَصْلَحَةِ حِلِّ نِكَاحِ زَوْجَةِ الْمُتَبَنَّى وَتَزْوِيجِهِ زَيْنَبَ بِنْتِهِ لِأَبِي الْعَاصِ مَعَ كَوْنِهِ ابْنَ خَالَتِهَا بِتَقْدِيرِ وُقُوعِهِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ وَاقِعَةَ حَالٍ فِعْلِيَّةٍ فَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ لِمَصْلَحَةٍ يُسْقِطهَا )) (9) .
📕 وقال الخطيب الشربيني رحمه الله :
(( ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالْبَيَانِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يُزَوِّجَ مِنْ عَشِيرَتِهِ، وَعَلَّلَهُ الزَّنْجَانِيُّ بِأَنَّ مِنْ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ اتِّصَالُ الْقَبَائِلِ لِأَجْلِ التَّعَاضُدِ وَالْمُعَاوَنَةِ وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ )) (10) .
📕 وقال منصور البهوتى الحنبلى رحمه الله :
(( ... ( الْأَجْنَبِيَّةِ ) لِأَنَّ وَلَدَهَا أَنْجَبُ وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ الْفِرَاقَ فَيُفْضِي مَعَ الْقَرَابَةِ إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ )) (11) .
📕 وقال سليمان العجيلي رحمه الله :
(( قَالُوا لِأَنَّ مَقْصُودَ النِّكَاحِ اتِّصَالُ الْقَبَائِلِ لِأَجْلِ اجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي نِكَاحِ الْقَرِيبَةِ؛ لِأَنَّ الِاتِّصَالَ فِيهَا مَوْجُودٌ وَالْأَجْنَبِيَّةُ لَيْسَتْ مِنْ قَبَائِلِهِ حَتَّى يَطْلُبَ اتِّصَالَهَا اهـ. ح ل ( قَوْلُهُ: الْحُمْقُ ) [ يقصد كلام الشافعي السابق ] فِي الْمِصْبَاحِ الْحُمْقُ فَسَادٌ فِي الْعَقْلِ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَحَمِقَ يَحْمَقُ مِنْ بَابِ تَعِبَ وَحَمُقَ بِالضَّمِّ فَهُوَ أَحْمَقُ وَالْأُنْثَى حَمْقَاءُ وَالْحَمَاقَةُ اسْمٌ مِنْهُ وَالْجَمْعُ حُمُقُ )) (12) .
📕 وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية :
(( وَأَنْ لاَ تَكُونَ ذَاتَ قَرَابَةٍ قَرِيبَةٍ ... وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِاسْتِحْبَابِ اخْتِيَارِ الأْجْنَبِيَّةِ فَإِنَّ وَلَدَهَا أَنْجَبُ )) (13) .
📕 وهذه روابط لأقول بعض الأطباء عن زواج الأقارب لمن أراد سماعها :
د / عبد الباسط السيد . فيديو بعنوان : زواج الأقارب غير محرم ولكن له مخاطر على الأجنة http://cutt.us/s76LD
د / أحمد كردي . فيديو بعنوان خطورة زواج الأقارب http://cutt.us/MEvmY
د/ عادل عاشور مقال بعنوان : مخاطر زواج الأقارب http://cutt.us/LrP1L
مقال بعنوان : زواج الأقـارب.. تشوهـات خلقيـة ومشكلات أسرية http://cutt.us/IlbYu
📕 وأخيراً اعلم أخي أن كل شيء يجري في الكون بقدر الله ولكن لا ينبغي للإنسان أن يخاطر في شيء هو من داخله متخوف منه وإن تظاهر بخلاف ذلك ، ولا يحملنك حبك لقريبة لك أن تعيش معها تحت ضغط الخوف والتهديد وربما حدث ما كنت تخشاه وتخاف منه فينقلب هذا الخوف إلى ندم يُنسي ما كان في ليلة العرسِ .
جمع وترتيب / ضاحي الغندور
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الموافقات للشاطبي ( 2 / 374 ) دار ابن عفان
(2) صحيح مسلم ( 2363 )
(3) التلخيص الحبير لابن حجر ( 3 / 309 ) دار الكتب العلمية
(4) لسان العرب لابم منظور ( 14 / 489 ) دار صادر - بيروت
(5) غريب الحديث لإبراهيم الحربي ( 2 / 378 ) جامعة أم القرى
(6) الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة لابن عبد البر ( ص : 98 ) دار الكتب العلمية ،
ونقله ابن حجر في التلخيص الحبير ( 3 م 209 ) دار الكتب العلمية ، واللفظ له .
(7) المغني لابن قدامة ( 7 / 109 )
(8) منهاج الطالبين للنووي ( ص : 204 ) دار الفكر
(9) تحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي ( 7 / 189 ) المكتبة التجارية
(10) مغني المحتاج ( 4 / 206 ) دار الكتب العلمية
(11) شرح منتهى الإرادات ( 2 / 623 ) عالم الكتب
(12) حاشية الجمل ( 4 / 119 ) ط / دار الفكر

(13) الموسوعة الفقهية الكويتية ( 24 / 62 )

جواز أخذ طالب العلم الشرعي من الزكاة والهداية

نصيحة وتذكير
لطالب العلم الشرعي المحتاج
ولصاحب المال الذي يريد مساعدته
▬▬▬▬▬▬▬▬▬▬▬
📕 اعلم أخي وفقني الله وإياك لمرضاته أن طالب العلم الشرعي لو ملك من الأموال ككنوز قارون ما سدت هذه الأموال حاجته في شراء الكتب والأبحاث والسفر إلى العلماء وما يريد فعله من أفعال خيرية يخدم بها المسلمين في دينهم ودنياهم ، ولكن ينبغي على طالب العلم أن يعيش بعزة نفس فلا يطلب من أحد شيئاً وإن لم يجد ثمن الكتاب أو ثمن الزواج أو زاد السفر لطلب العلم إلا أن يكون مقترضاً فمن مد يده قد لا يستطيع أن يمد لسانه ، وكذلك إذا جاءه المال من أحد يظن أنه سيمن عليه به بعد ذلك فلا يأخذه ،
📕 أما إذا جاءه المال من غير سؤال منه كهدية أو حتى من الزكاة من أحد يحبه أو يريد مساعدته لما يراه فيه من حرصه على الطلب ونفع المسلمين وحاجته لهذا المال جاز له أخذه هذا المال بلا كراهة لما أخرجه البخاري ومسلم عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ [ بن عمر ] ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْطِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الْعَطَاءَ، فَيَقُولُ لَهُ عُمَرُ: أَعْطِهِ، يَا رَسُولَ اللهِ، أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ أَوْ تَصَدَّقْ بِهِ، وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَمَا لَا، فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ )) قَالَ سَالِمٌ: (( فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا وَلَا يَرُدُّ شَيْئًا أُعْطِيَهُ )) (1) .
📕 قال النووي رحمه الله في شرح مسلم :
(( وَالْمُشْرِفُ إِلَى الشَّيْءِ هُوَ الْمُتَطَلِّعُ إِلَيْهِ الحريص عليه )) (2) .
📕 وقال أيضاً رحمه الله في المجموع :
(( إذَا عُرِضَ عَلَيْهِ مَالٌ مِنْ حَلَالٍ عَلَى وَجْهٍ يَجُوزُ أَخْذُهُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ مَسْأَلَةٌ وَلَا تَطَلُّعٌ إلَيْهِ جَازَ له اخذه بلا كراهية وَلَا يَجِبُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ يَجِبُ لِحَدِيثِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ... )) وذكر الحديث ثم رد على من قال من الظاهرية ( بوجوب الأخذ ) بحديث حكيم ابن حزام الذي في البخاري ( 1472 ) ومسلم ( 1035 ) راجع المجموع للنووي ( 6 / 245 ) ط / دار الفكر .
📕 وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
السائل : أرسل إلي أحد أقاربي مبلغا كبيرا من المال بمناسبة زواجي ، يقصد به مساعدتي . هل أقبله أم أن العفاف أولى والاكتفاء بما أملك؟
فأجاب علماء اللجنة :
(( لا بأس بقبوله دون استشراف نفس ، ويكافأ عليه إذا تيسر ذلك بما يناسب ، أو يُدعى له ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : " من صنع إليكم معروفا فكافئوه ، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له ، حتى تروا أنكم قد كافأتموه " رواه أبو داود والنسائي )) (3) .
📕 قال العثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين :
(( كان ابن عمر رضي الله عنهما لا يسأل أحداً شيئاً، وإذا جاءه شيء من غير سؤال قبله، وهذا غاية ما يكون من الأدب، إلا تذل نفسك بالسؤال، ولا تستشرف للمال وتعلق قلبك به .
وإذا أعطاك أحد شيئاً فاقبله؛ لأن رد العطية والهدية قد يحمل من أعطاك على كراهيتك فيقول: هذا الرجل استكبر، هذا الرجل عنده غطرسة، وما أشبه ذلك .
فالذي ينبغي أن من يعطيك تقبل منه ولكن لا تسأل، إلا إذا كان الإنسان يخشى ممن أعطاه أن يمنَّ به عليه في المستقبل فيقول: أنا أعطيتك، أنا فعلت معك كذا وكذا وما أشبه ذلك، فهنا يرده؛ لأنه إذا خشي أن يقطع المعطي رقبته بالمنة عليه في المستقبل؛ فليحمِ نفسه من هذا )) (4) .
وكل ما سبق عام يدخل فيه كل مسلم محتاج وهو في حق طالب العلم أولى .
📕 أما عن أخذ طالب العلم من الزكاة
📕 جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ما يلي :
(( اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ إِعْطَاءِ الزَّكَاةِ لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ، إِذْ أَنَّهُمْ يُجَوِّزُونَ إِعْطَاءَ الزَّكَاةِ لِلصَّحِيحِ الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ، وَلَوْ كَانَ تَرْكُهُ التَّكَسُّبَ اخْتِيَارًا عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى جَوَازِ أَخْذِ طَالِبِ الْعِلْمِ الزَّكَاةَ وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا إِذَا فَرَّغَ نَفْسَهُ لإِِفَادَةِ الْعِلْمِ وَاسْتِفَادَتِهِ، لِعَجْزِهِ عَنِ الْكَسْبِ.
نَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْمَبْسُوطِ قَوْلَهُ: لاَ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَى مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا إِلاَّ إِلَى طَالِبِ الْعِلْمِ، وَالْغَازِي، وَمُنْقَطِعِ الْحَجِّ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَالأَْوْجَهُ تَقْيِيدُهُ بِالْفَقِيرِ وَيَكُونُ طَلَبُ الْعِلْمِ مُرَخِّصًا لِجَوَازِ سُؤَالِهِ مِنَ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ إِذْ بِدُونِهِ لاَ يَحِل لَهُ السُّؤَال.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ تَحِل لِطَالِبِ الْعِلْمِ الزَّكَاةُ إِذَا لَمْ يُمْكِنِ الْجَمْعُ بَيْنَ طَلَبِ الْعِلْمِ وَالتَّكَسُّبِ بِحَيْثُ لَوْ أَقْبَل عَلَى الْكَسْبِ لاَنْقَطَعَ عَنِ التَّحْصِيل.
قَال النَّوَوِيُّ: وَلَوْ قَدَرَ عَلَى كَسْبٍ يَلِيقُ بِحَالِهِ إِلاَّ أَنَّهُ مُشْتَغِلٌ بِتَحْصِيل بَعْضِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ بِحَيْثُ لَوْ أَقْبَل عَلَى الْكَسْبِ لاَنْقَطَعَ مِنَ التَّحْصِيل حَلَّتْ لَهُ الزَّكَاةُ، لأَِنَّ تَحْصِيل الْعِلْمِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَأَمَّا مَنْ لاَ يَتَأَتَّى مِنْهُ التَّحْصِيل لاَ تَحِل لَهُ الزَّكَاةُ إِذَا قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا بِالْمَدْرَسَةِ.
وَقَال الْبُهُوتِيُّ: وَإِنْ تَفَرَّغَ قَادِرًا عَلَى التَّكَسُّبِ لِلْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لاَزِمًا لَهُ - وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالتَّكَسُّبِ أُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ لِحَاجَتِهِ.
وَسُئِل ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَمَّنْ لَيْسَ مَعَهُ مَا يَشْتَرِي بِهِ كُتُبًا يَشْتَغِل فِيهَا، فَقَال: يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنَ الزَّكَاةِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ الَّتِي لاَ بُدَّ لِمَصْلَحَةِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ مِنْهَا.
قَال الْبُهُوتِيُّ: وَلَعَل ذَلِكَ غَيْرُ خَارِجٍ عَنِ الأَْصْنَافِ، لأَِنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَحْتَاجُهُ طَالِبُ الْعِلْمِ فَهُوَ كَنَفَقَتِهِ.
وَخَصَّ الْفُقَهَاءُ جَوَازَ إِعْطَاءِ الزَّكَاةِ لِطَالِبِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ فَقَطْ.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِجَوَازِ نَقْل الزَّكَاةِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ لِطَالِبِ الْعِلْمِ ))(5) .
📕 وتكملة لما نقلته الموسوعة مختصراً من كلام البهوتي قال البهوتي رحمه الله :
(( وَإِنْ تَفَرَّغَ قَادِرًا عَلَى التَّكَسُّبِ لِلْعِلْمِ) الشَّرْعِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا لَهُ (وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ) بَيْنَ الْعِلْمِ وَالتَّكَسُّبِ (أُعْطِيَ) مِنْ الزَّكَاةِ لِحَاجَتِهِ.
وَ (لَا) يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ (إنْ تَفَرَّغَ) قَادِرٌ عَلَى التَّكَسُّبِ (لِلْعِبَادَةِ) لِقُصُورِ نَفْعِهَا عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْعِلْمِ )) (6) .
جمع وترتيب / ضاحي الغندور
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البخاري ( 1473 ) ومسلم ( 1045 ) .
(2) شرح مسلم للنووي ( 7 / 134 ) ط / دار إحياء التراث العربي - بيروت .
(3) "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/176) .
(4) شرح رياض الصالحين ( 3 / 396 ) ط / دار الوطن للنشر، الرياض .
(5) الموسوعة الفقهية الكويتية ( 28 / 336 )

(6) كشاف القناع ( 2 / 273 ) ط / دار الكتب العلمية