السبت، 30 ديسمبر 2017

حق الجار . خطبة جمعة

مكانة الجار وبعض من حقوقه علينا
▬▬▬▬▬▬▬▬▬▬▬
📕 وقبل الكلام عن مكانة الجار تعالوا بنا إخوة الإيمان والإسلام نعرف شيئاً مما قيل في حد الجار . فقيل : (( من صلى معك الصبح في المسجد ، فهو جار لك )) . وقيل : حد الجار أربعون دارًا من كل ناحية . ونُقل هذا القول عن عائشة وغيرها . وقد توسع البعض في حد الجار ، فجعل كل مَن سكن معك في مدينة أو قرية فهو جار لك ، واستدلوا بقوله تعالى : (( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا )) [الأحزاب: 60].
ومعنى (( لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ )) أي لنسلطنك عليهم .
📕 والنصوص التي تُذكرنا بمكانةِ الجار وحقه علينا كثيرة منها .
📕 قوله تعالى : (( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا )) [النساء: 36]. فجمع سبحانه بين الأمر بعبادته وبين الأمر بالإحسان إلى خلقه ، ومن ذلك الإحسانُ إلى الجار مسلمًا كان أم كافرًا، قريبًا أم غريبًا ، ملاصقًا أم بعيدًا .
* وقوله : وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ؛ أي : الجار القريب، الذي له حقَّان :
حقُّ الجوارِ، وحقُّ القرابة . وقيل هو الجار المسلم .
* وقوله : وَالْجَارِ الْجُنُبِ ؛ أي : الذي ليس له قرابة، فيكون له حقّ واحد، وهو حق الجوار . وقيل هو الجار الكافر .
* وقوله : وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ ؛ قيل : هو الرفيق في السفر، وقيل : هو الزوجةُ، وقيل : هو الصاحب مطلقًا .
وكل هذه المعاني صحيحة والآية تشملها وتدل عليها .
📕 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : (( وَاسْمُ الْجَارِ يَشْمَلُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ ، وَالْعَابِدَ وَالْفَاسِقَ ، وَالصَّدِيقَ وَالْعَدُوَّ ، وَالْغَرِيبَ وَالْبَلَدِيَّ ، وَالنَّافِعَ وَالضَّارَّ ، وَالْقَرِيبَ وَالْأَجْنَبِيَّ ، وَالْأَقْرَبَ دَارًا وَالْأَبْعَدَ ، وَلَهُ مَرَاتِبٌ بَعْضُهَا أَعْلَى مِنْ بَعْضٍ )) الفتح ( 10 / 441 ).
📕 وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عائشة وعن ابن عمر رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ )) .
📕 وأخرج البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال : (( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ )) .
📕 وقال جعفرُ ابنُ أبي طالب رضي الله عنه للنجاشي لما هاجروا إلى الحبشة والحديث أخرجه أحمدُ في مسنده وابن خزيمةُ في صحيحه قال رضي الله عنه :
(( بَعَثَ اللهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا , نَعْرِفُ نَسَبَهُ , وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ , وَعَفَافَهُ , فَدَعَانَا إِلَى اللهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ , وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ , وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ , وَصِلَةِ الرَّحِمِ , وَحُسْنِ الْجِوَارِ , وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ , وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ , وَقَوْلِ الزُّورِ , وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ , وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ )) .
📕 وأخرج الإمام أحمد في مسنده والحديث قال عنه ابن حجر رحمه الله : (( رِجَالُهُ ثِقَاتٌ )) وقال عنه الألباني رحمه الله : (( إسناد صحيح رجاله ثقات )) عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( صِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ ، وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ )) .
📕 ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يقومون بحق الجار حتى مع الكفار، فكانوا من أحرص الناس على إكرام الجار، وإن كان غير مسلم ؛ أخرج الترمذي والحديث صححه الألباني عَنْ مُجَاهِدٍ : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنهما ذُبِحَتْ لَهُ شَاةٌ فِي أَهْلِهِ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ : أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا اليَهُودِيِّ ؟ أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا اليَهُودِيِّ ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (( مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ )) .
📕 فمن حقوق جارك عليك عبد الله أن تذكر ه بتوحيد الله عز وجل وتخاف عليه من الشرك وتنهاه عنه إن جاء بشيء منه لقول الله تعالى : (( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا )) فإذا رأيته يحلف بغير الله أو يدعو غير الله أو يستغيث بغير الله ذكره بالله وأنه لا يجوز أن تصرف العبادة إلا لله وحده والدعاء هو العباده ، فلا يجوز لنا أن نتخذ مع الله شركاء .
فذكر يا أخا الإسلام جارك إن رأيته يدعو غير الله بقول الله تعالى : (( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )) أو بقوله : (( فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ )) أو بقوله : (( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا )) أو بقوله : (( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ )) أو بقوله : (( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ )) أو بقوله : (( وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ )) أو بقوله : (( وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ، وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ))
📕وكذا من حقوق جارك أن تذكره بطاعة الله واجتناب معاصيه فإن رأيته مقصراً في الصلاة ذكرته ، وإن رأيته مقصراً في أداء الزكاة ذكرته إلى أخره من الحث على الطاعات واجتناب المعاصي والمحرمات .
📕 وكذلك من حقوق جارك عليك عبد الله أن ألا تحقد عليه ولا حسده ولا تؤذيه ، فبعض الناس نسأل الله السلامة والعافية يعيش فتنة بين جيرانه فيسلط الأب على ابنه والابن على أبيه والأخ على أخيه والزوج على زوجته ، ثم يخدعك بكلامه في المجالس عن قضايا الدول ومشاكلها . يُفسد هو في مجتمعه ويزعم أنه يريد إصلاح الأمة .
📕 أخرج البخاريُ في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن )) قيل : من يا رسول الله ؟ قال : (( الذي لا يأمن جاره بوايقه )) .
📕 وفي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال : (( لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ )) . و (بوائقه) جمع بائقة وهي الظلم والشر والشيء المُهلك .
📕 وأخرج الإمامُ أحمدُ في مسندهِ بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (( قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا، وَصِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ : (( هِيَ فِي النَّارِ ))، قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، وَصَلَاتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنَ الْأَقِطِ ، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ : (( هِيَ فِي الْجَنَّةِ )) .ومعنى (( تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنَ الْأَقِطِ )) أي بقطع من اللبن المجمد وهو الْجُبْن .
📕 ومن حقوق جارك عليك وصور الإحسان إليه أن تعهُّده بالهدية بين الحين والآخر : فالهدية إلى الجار طريق إلى المحبة والأُلفة، وهي تأسِر القلب وتملك الفؤاد ؛ ولذلك جاءت الأحاديث مصرِّحةً بذلك .
📚 أخرج مسلمُ في صحيحه عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فَأَكْثِرْ مَاءَهَا، وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ )) .
📚 والرواية الأخرى في صحيح مسلم أيضاً قَالَ أبو ذر رضي الله عنه :
إِنَّ خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم أَوْصَانِي : (( إِذَا طَبَخْتَ مَرَقًا فَأَكْثِرْ مَاءَهُ، ثُمَّ انْظُرْ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ جِيرَانِكَ، فَأَصِبْهُمْ مِنْهَا بِمَعْرُوفٍ )) . والمرقة ؛ أي : ذات مرَقٍ من لحم أو دجاج أو غيره .
📕 وإن قال قائل فأي الجيران أولى بالهدية ؟
يُجاب عليه بما أخرجه البخاري رحمه الله في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت : (( قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي قَالَ إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكَ بَابًا )) .
📕 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : (( الْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْأَقْرَبَ يَرَى مَا يَدْخُلُ بَيْتَ جَارِهِ مِنْ هَدِيَّةٍ وَغَيْرِهَا فَيَتَشَوَّفُ لَهَا بِخِلَافِ الْأَبْعَدِ وَأَنَّ الْأَقْرَبَ أَسْرَعُ إِجَابَةً لِمَا يَقَعُ لِجَارِهِ مِنَ الْمُهِمَّاتِ وَلَا سِيَّمَا فِي أَوْقَاتِ الْغَفْلَة )) .
وحقوق الجار كثيرة وكثيرة أكتفي بهذا القدر منها لضيق المقام
فاحرص عبد الله أن تكون جاراً صالحاً لجارك بقدر استطاعتك .
يحكى أن رجلاً أراد أن يبيع داره فقيل له إن دارك هذه لا تساوي
هذه المال الذي تُريد أن تبيعها به . فقال نصف هذا المال للدار
والنصف الأخر لأن من أردا شراءها سيجاور الصالح فلان .

جمع وترتيب / ضاحي الغندور

اتق الله واصبر على الحق ولا تستعجل

اتق الله واصبر على الحق ولا تستعجل
▬▬▬▬▬▬▬▬▬▬▬▬
بسم الله الرحمن الرحيم
📕 هذه رسالة أذكر بها نفسي وأحبتي من طلبة العلم بالصبر على الحق والدعوة إليه ما استطعنا إلى ذلك سبيلا وأن لا نغتر بكثر الأتباع وأن لا نيأس لقلتهم أو لقلة من يستجيبون للحق عامة
📕 قال الله تبارك وتعالى : (( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا )) [ العنكبوت : 14 ] . ورغم أنه مكث في دعوتهم هذه المدة الطويلة وصف الله عدد من آمن معه بأنهم قليل فقال سبحانه : (( وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ )) [ هود : 40 ].
📕 وأمر سبحاه رسوله أن يصبر على أذية المكذبين المعادين له وأن لا يزال داعياً لهم إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وأن يقتدي بصبر أولي العزم من المرسلين فقال سبحانه : (( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ )) [ الأحقاف : 35 ] .
📕 وقال نبيه صلى الله عليه وسلم في ما أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما : (( عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ الرُّهَطُ، وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ، وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ )) (1).
📕 قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب معلقاً على هذا الحديث السابق : (( ثمرة هذا العلم، وهو عدم الاغترار بالكثرة ، وعدم الزهد في القلة )) (2) .
وعن الأوزاعي رحمه الله أنه قال : (( كَانَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ أَرْضَى النَّاسِ عِنْدَ النَّاسِ ، وَمَا كَانَ يَشْهَدُ مَجْلِسَهُ ، إِلَّا سَبْعَةٌ أَوْ ثَمَانِيَةٌ )) (3) .
📕 وإذا أردت أن تعرف مكانة عطاء رحمه الله ورضي عنه عند الناس فاقرأ ما ذكره ابن الجوزي رحمه الله عن عبد الله بن إبراهيم بن عمرو بن كيسان قال اخبرني أبي قال : (( اذكرهم في زمان بني أمية يأمرون في الحاج صائحا يصيح لا يُفتي الناس إلا عطاء بن أبي رباح )) (4). ورغم ذلك (( مَا كَانَ يَشْهَدُ مَجْلِسَهُ ، إِلَّا سَبْعَةٌ أَوْ ثَمَانِيَةٌ )) كما مر ذكره مما نُقل عن الأوزاعي رحمه الله .
📕 وقال حنبل بن إسحاق رحمه الله : (( جمعنا أحمد بن حنبل، أنا وصالح وعبد الله، وقرأ علينا ( المسند ) ، ما سمعه غيرنا . وقال : هذا الكتاب جمعته وانتقيته من أكثر من سبع مائة ألف وخمسين ألفا )) (5).
📕 وربما يغتر الإنسان بكثرة من يستمعون له أو يقرؤون له أو يطلبون العلم على يديه أو على يدي غيره ولكن في الحقيقة لو نظر إلى النجباء منهم لوجدهم قلة قليلة فعن شعيب بن حرب، قال : (( كُنَّا نَطْلُبُ الْحَدِيثَ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، فَمَا أَنْجَبَ مِنَّا إِلَّا أَرْبَعَةٌ )) (6).
📕 وما أحوج الداعي إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة إلى الإخلاص فيما يدعو إليه ، وتعلق القلب بكثر الأتباع فيه من الرياء ما فيه لكونه يُظهر للناس عبادة من أعظم العبادات وهي عبادة الدعوة إلي الله وهي ميراث الأنبياء والمرسلين وقلبه على خلاف ذلك نسأل الله السلامة والعافية قال الفضيل بن عياض رحمه الله : (( لأن أطلب الدنيا بطبل ومزمار أحبَّ إليَّ من أن أطلبها بالعبادة )) (7).
📕 وقال الألباني رحمه الله بعد تصحيحه لحديث : (( ما صدق نبي ( من الأنبياء ) ما صدقت، إن من الأنبياء من لم يصدقه من أمته إلا رجل واحد )) قال رحمه الله : (( في الحديث دليل واضح على أن كثرة الأتباع وقلتهم، ليست معيارا لمعرفة كون الداعية على حق أو باطل، فهؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع كون دعوتهم واحدة، ودينهم واحدا، فقد اختلفوا من حيث عدد أتباعهم قلة وكثرة، حتى كان فيهم من لم يصدقه إلا رجل واحد، بل ومن ليس معه أحد ! ففي ذلك عبرة بالغة للداعية والمدعوين في هذا العصر، فالداعية عليه أن يتذكر هذه الحقيقة، ويمضي قدما في سبيل الدعوة إلى الله تعالى، ولا يبالي بقلة المستجيبين له، لأنه ليس عليه إلا البلاغ المبين، وله أسوة حسنة بالأنبياء السابقين الذين لم يكن مع أحدهم إلا الرجل والرجلان !
والمدعو عليه أن لا يستوحش من قلة المستجيبين للداعية، ويتخذ ذلك سببا للشك في الدعوة الحق وترك الإيمان بها ، فضلا عن أن يتخذ ذلك دليلا على بطلان دعوته بحجة أنه لم يتبعه أحد، أو إنما اتبعه الأقلون ! ولو كانت دعوته صادقة لاتبعه جماهير الناس ! والله عز وجل يقول " وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " )) (8) .
📕 وقال العثيمين رحمه الله : (( العلماء، وظيفتهم البلاغ وأما الهداية فبيد الله، ومن المعلوم أن الإنسان المؤمن يحزن إذا لم يستجبِ الناس للحق، لكنَّ الحازنَ إذا لم يقبل الناس الحق على نوعين :
1 - نوع يحزن لأنه لم يُقبل .
2 - ونوع يحزن لأن الحق لم يُقبل .
والثاني هو الممدوح لأن الأول إذا دعا فإنما يدعو لنفسه، والثاني إذا دعا فإنما يدعو إلى الله عز وجل، ولهذا قال تعالى: (( أدع الى سبيل ربك )) [ النحل: 125] . لكن إذا قال الإنسان أنا أحزن؛ لأنه لم يُقبل قولي؛ لأنه الحق ولذلك لو تبين لي الحق على خلاف قولي أخذت به فهل يكون محموداً أو يكونُ غير محمود ؟
الجواب: يكون محموداً لكنه ليس كالآخرِ الذي ليس له همٌّ إلاَّ قَبول الحق سَواء جاء من قِبَله أو جاء من قبل غيره )) (9) .
جمع وترتيب / ضاحي الغندور
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البخاري (5705 ) ومسلم 374 - (220) .
(2) فتح المجيد ( ص : 71 ) .
(3) تاريخ أبي زرعة الدمشقي ( ص : 449 ) .
(4) صفة الصفوة لابن الجوزي ( 1 / 415 ) .
(5) طبقات الحنابلة ( 1 / 143 ) وسير أعلام النبلاء ( 11 / 329 ) والسياق له .
(6) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ( رقم : 92 ) .
(7) صفة الصفوة لابن الجوزي ( 1 / 430 )
(8) السلسلة الصحيحة ( 1 / 755 ) .
(9) تفسير الكهف ( ص : 17 ) .