السبت، 30 ديسمبر 2017

اتق الله واصبر على الحق ولا تستعجل

اتق الله واصبر على الحق ولا تستعجل
▬▬▬▬▬▬▬▬▬▬▬▬
بسم الله الرحمن الرحيم
📕 هذه رسالة أذكر بها نفسي وأحبتي من طلبة العلم بالصبر على الحق والدعوة إليه ما استطعنا إلى ذلك سبيلا وأن لا نغتر بكثر الأتباع وأن لا نيأس لقلتهم أو لقلة من يستجيبون للحق عامة
📕 قال الله تبارك وتعالى : (( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا )) [ العنكبوت : 14 ] . ورغم أنه مكث في دعوتهم هذه المدة الطويلة وصف الله عدد من آمن معه بأنهم قليل فقال سبحانه : (( وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ )) [ هود : 40 ].
📕 وأمر سبحاه رسوله أن يصبر على أذية المكذبين المعادين له وأن لا يزال داعياً لهم إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وأن يقتدي بصبر أولي العزم من المرسلين فقال سبحانه : (( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ )) [ الأحقاف : 35 ] .
📕 وقال نبيه صلى الله عليه وسلم في ما أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما : (( عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ الرُّهَطُ، وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ، وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ )) (1).
📕 قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب معلقاً على هذا الحديث السابق : (( ثمرة هذا العلم، وهو عدم الاغترار بالكثرة ، وعدم الزهد في القلة )) (2) .
وعن الأوزاعي رحمه الله أنه قال : (( كَانَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ أَرْضَى النَّاسِ عِنْدَ النَّاسِ ، وَمَا كَانَ يَشْهَدُ مَجْلِسَهُ ، إِلَّا سَبْعَةٌ أَوْ ثَمَانِيَةٌ )) (3) .
📕 وإذا أردت أن تعرف مكانة عطاء رحمه الله ورضي عنه عند الناس فاقرأ ما ذكره ابن الجوزي رحمه الله عن عبد الله بن إبراهيم بن عمرو بن كيسان قال اخبرني أبي قال : (( اذكرهم في زمان بني أمية يأمرون في الحاج صائحا يصيح لا يُفتي الناس إلا عطاء بن أبي رباح )) (4). ورغم ذلك (( مَا كَانَ يَشْهَدُ مَجْلِسَهُ ، إِلَّا سَبْعَةٌ أَوْ ثَمَانِيَةٌ )) كما مر ذكره مما نُقل عن الأوزاعي رحمه الله .
📕 وقال حنبل بن إسحاق رحمه الله : (( جمعنا أحمد بن حنبل، أنا وصالح وعبد الله، وقرأ علينا ( المسند ) ، ما سمعه غيرنا . وقال : هذا الكتاب جمعته وانتقيته من أكثر من سبع مائة ألف وخمسين ألفا )) (5).
📕 وربما يغتر الإنسان بكثرة من يستمعون له أو يقرؤون له أو يطلبون العلم على يديه أو على يدي غيره ولكن في الحقيقة لو نظر إلى النجباء منهم لوجدهم قلة قليلة فعن شعيب بن حرب، قال : (( كُنَّا نَطْلُبُ الْحَدِيثَ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، فَمَا أَنْجَبَ مِنَّا إِلَّا أَرْبَعَةٌ )) (6).
📕 وما أحوج الداعي إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة إلى الإخلاص فيما يدعو إليه ، وتعلق القلب بكثر الأتباع فيه من الرياء ما فيه لكونه يُظهر للناس عبادة من أعظم العبادات وهي عبادة الدعوة إلي الله وهي ميراث الأنبياء والمرسلين وقلبه على خلاف ذلك نسأل الله السلامة والعافية قال الفضيل بن عياض رحمه الله : (( لأن أطلب الدنيا بطبل ومزمار أحبَّ إليَّ من أن أطلبها بالعبادة )) (7).
📕 وقال الألباني رحمه الله بعد تصحيحه لحديث : (( ما صدق نبي ( من الأنبياء ) ما صدقت، إن من الأنبياء من لم يصدقه من أمته إلا رجل واحد )) قال رحمه الله : (( في الحديث دليل واضح على أن كثرة الأتباع وقلتهم، ليست معيارا لمعرفة كون الداعية على حق أو باطل، فهؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع كون دعوتهم واحدة، ودينهم واحدا، فقد اختلفوا من حيث عدد أتباعهم قلة وكثرة، حتى كان فيهم من لم يصدقه إلا رجل واحد، بل ومن ليس معه أحد ! ففي ذلك عبرة بالغة للداعية والمدعوين في هذا العصر، فالداعية عليه أن يتذكر هذه الحقيقة، ويمضي قدما في سبيل الدعوة إلى الله تعالى، ولا يبالي بقلة المستجيبين له، لأنه ليس عليه إلا البلاغ المبين، وله أسوة حسنة بالأنبياء السابقين الذين لم يكن مع أحدهم إلا الرجل والرجلان !
والمدعو عليه أن لا يستوحش من قلة المستجيبين للداعية، ويتخذ ذلك سببا للشك في الدعوة الحق وترك الإيمان بها ، فضلا عن أن يتخذ ذلك دليلا على بطلان دعوته بحجة أنه لم يتبعه أحد، أو إنما اتبعه الأقلون ! ولو كانت دعوته صادقة لاتبعه جماهير الناس ! والله عز وجل يقول " وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " )) (8) .
📕 وقال العثيمين رحمه الله : (( العلماء، وظيفتهم البلاغ وأما الهداية فبيد الله، ومن المعلوم أن الإنسان المؤمن يحزن إذا لم يستجبِ الناس للحق، لكنَّ الحازنَ إذا لم يقبل الناس الحق على نوعين :
1 - نوع يحزن لأنه لم يُقبل .
2 - ونوع يحزن لأن الحق لم يُقبل .
والثاني هو الممدوح لأن الأول إذا دعا فإنما يدعو لنفسه، والثاني إذا دعا فإنما يدعو إلى الله عز وجل، ولهذا قال تعالى: (( أدع الى سبيل ربك )) [ النحل: 125] . لكن إذا قال الإنسان أنا أحزن؛ لأنه لم يُقبل قولي؛ لأنه الحق ولذلك لو تبين لي الحق على خلاف قولي أخذت به فهل يكون محموداً أو يكونُ غير محمود ؟
الجواب: يكون محموداً لكنه ليس كالآخرِ الذي ليس له همٌّ إلاَّ قَبول الحق سَواء جاء من قِبَله أو جاء من قبل غيره )) (9) .
جمع وترتيب / ضاحي الغندور
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البخاري (5705 ) ومسلم 374 - (220) .
(2) فتح المجيد ( ص : 71 ) .
(3) تاريخ أبي زرعة الدمشقي ( ص : 449 ) .
(4) صفة الصفوة لابن الجوزي ( 1 / 415 ) .
(5) طبقات الحنابلة ( 1 / 143 ) وسير أعلام النبلاء ( 11 / 329 ) والسياق له .
(6) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ( رقم : 92 ) .
(7) صفة الصفوة لابن الجوزي ( 1 / 430 )
(8) السلسلة الصحيحة ( 1 / 755 ) .
(9) تفسير الكهف ( ص : 17 ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق