السبت، 29 يوليو 2017

ثمار وزهور من بستان ابن الغندور [ الشجرة : 90 ]


قال : أَمَرَ بِي فَقَلَعَ لِي أَرْبَعَةَ أَضْرَاسٍ

قال ابن بَطَّة العُكْبَري رحمه الله :
▬▬▬▬▬▬▬▬▬▬
456 - حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ عُبَيْدُ اللَّهِ بنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيِدِ بْنِ مُسَبَّحٍ الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَاسِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّفَّارُ الْقَنْطَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَامَةُ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مَشْكَوَيْهِ الْهَمَذَانِيُّ، قَالَ: " أُدْخِلْتُ عَلَى الْخَلِيفَةِ الْمُتَكَنِّي بِالْوَاثِقِ أَنَا وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَأَقْبَلَ بِالْمَسْأَلَةِ عَلَيَّ مِنْ بَيْنِهِمْ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي رَجُلٌ مُرَوَّعٌ وَلَا عَهْدَ لِي بِكَلَامِ الْخُلَفَاءِ مِنْ قَبْلِكَ. " فَقَالَ: لَا تَرْعَ وَلَا بَأْسَ عَلَيْكَ، مَا تَقُولُ فِي الْقُرْآنِ؟ فَقُلْتُ: «كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ»، فَقَالَ: أَشْهَدُ لَتَقُولَنَّ مَخْلُوقًا أَوْ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ، قَالَ: " فَقُلْتُ: إِنَّكَ إِنْ تَضْرِبْ عُنُقِي، فَإِنَّكَ فِي مَوْضِعِ ذَلِكَ إِنْ جَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَتَثَبَّتْ عَلَيَّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِمَّا أَنْ أَكُونَ عَالِمًا فَتَثْبُتَ حُجَّتِي، وَإِمَّا أَنْ أَكُونَ جَاهِلًا فَيَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تُعَلِّمَنِي لِأَنَّكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَخَلِيفَةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَابْنُ عَمِّ نَبِيِّهِ" فَقَالَ: أَمَا تَقْرَأُ {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]، {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2]، قُلْتُ: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْكُلِّيَّةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ خَاصٌّ أَمْ عَامٌّ؟»، قَالَ: عَامٌّ. قُلْتُ: " لَا، بَلْ خَاصٌّ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23] فَهَلْ أُوتِيَتْ مُلْكَ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ؟ فَحَذَفَنِي بِعَمُودٍ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَخْرِجُوهُ، فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ، فَأُخْرَجْتُ إِلَى قُبَّةٍ قُرَيْبَةٍ مِنْهُ، فَشُدَّ عَلَيْهَا كِتَافِي، فَنَادَيْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّكَ ضَارِبٌ عُنُقِي، وَأَنَا مُتَقَدِّمُكَ، فَاسْتَعِدَّ لِلْمَسْأَلَةِ جَوَابًا" فَقَالَ: أَخْرِجُوا الزِّنْدِيقَ وَضَعُوهُ فِي أَضْيَقِ الْمَحَابِسِ، فَأُخْرِجْتُ إِلَى دَارِ الْعَامَّةِ، فَإِذَا أَنَا بِابْنِ أَبِي دُؤَادٍ يُنَاظِرُ النَّاسَ عَلَى خَلْقِ الْقُرْآنِ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيَّ قَالَ: يَا خُرَّمِيُّ قُلْتُ: «أَنْتَ وَالَّذِينَ مَعَكَ وَهُمْ شِيعَةُ الدَّجَّالِ» فَحَبَسَنِي فِي سِجْنِ بِبَغْدَادَ يُقَالُ لَهُ الْمُطَبَّقُ، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ رُقْعَةً يُشَجِّعُونَنِي وَيُثَبِّتُونَنِي عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ، فَقَرَأْتُ مَا فِيهَا، فَإِذَا فِيهَا:
[البحر البسيط]

عَلَيْكَ بِالْعِلْمِ وَاهْجُرْ كُلَّ مُبْتَدَعٍ ... وَكُلَّ غَاوٍ إِلَى الْأَهْوَاءِ مَيَّالِ
وَلَا تَمِيلَنَّ يَا هَذَا إِلَى بِدَعٍ ... يَضِلُّ أَصْحَابُهَا بِالْقِيلِ وَالْقَالِ
إِنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ ... لَيْسَ الْقُرْآنُ بِمَخْلُوقٍ وَلَا بَالِ
لَوْ أَنَّهُ كَانَ مَخْلُوقًا لَصَيَّرَهُ ... رَيْبُ الزَّمَانِ إِلَى مَوْتٍ وَإِبْطَالِ
وَكَيْفَ يَبْطُلُ مَا لَا شَيْءَ يُبْطِلُهُ ... أَمْ كَيْفَ يَبْلَى كَلَامُ الْخَالِقِ الْعَالِي
وَهَلْ يُضِيفُ كَلَامَ اللَّهِ مِنْ أَحَدٍ ... إِلَى الْبِلَى غَيْرُ ضُلَّالٍ وَجُهَّالِ
فَلَا تَقُلْ بِالَّذِي قَالُوا وَإِنْ سَفِهُوا ... وَأَوْثَقُوكَ بِأَقْيَادٍ وَأَغْلَالِ
أَلَمْ تَرَ الْعَالِمَ الصَّبَّارَ حَيْثُ بُلِيَ ... بِالسَّوْطِ هَلْ زَالَ عَنْ حَالٍ إِلَى حَالِ
فَاصْبِرْ عَلَى كُلِّ مَا يَأْتِي الزَّمَانُ بِهِ ... فَالصَّبْرُ سِرْبَالُهُ مِنْ خَيْرِ سِرْبَالِ
يَا صَاحِبَ السِّجْنِ فَكِّرْ فِيمَ تَحْسِبُهُ ... أُقَاتِلٌ هُوَ أَمْ عَوْنٌ لِقَتَّالِ
أَمْ هَلْ أَتَيْتَ بِهِ رَأْسًا لِرَافِضَةٍ ... يَرَى الْخُرُوجَ لَهُمْ جَهْلًا عَلَى الْوَالِي
أَمْ هَلْ أُصِيبَ عَلَى خَمْرٍ وَمِعْزَفَةٍ ... يُصَرِّفُ الْكَأْسَ فِيهَا كُلَّ ضَلَّالِ
مَا هَكَذَا هُوَ بَلْ لَكِنَّهُ وَرِعٌ ... عَفٌّ عَفِيفٌ عَنِ الْأَعْرَاضِ وَالْمَالِ
ثُمَّ ذَكَرَنِي بَعْدَ أَيَّامٍ وَأَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَأَوْقَفَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: عَسَاكَ مُقِيمًا عَلَى الْكَلَامِ الَّذِي كُنْتُ سَمِعْتُهُ مِنْكَ؟ فَقُلْتُ: «وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي لَأَدْعُوَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي لِيَلِي وَنَهَارِي أَلَّا يُمِيتَنِي إِلَّا عَلَى مَا كُنْتَ سَمِعْتَهُ مِنِّي» قَالَ: أُرَاكَ مُتَمَسِّكًا قُلْتُ: لَيْسَ هُوَ شَيْءٌ قُلْتُهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي، وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ لَقِيتُ فِيهِ الْعُلَمَاءَ بِمَكَّةَ، وَالْمَدِينَةِ، وَالْكُوفَةِ، وَالْبَصْرَةِ، وَالشَّامِ، وَالثُّغُورِ، فَرَأَيْتُهُمْ عَلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ. فَقَالَ لِي: وَمَا السُّنَّةُ وَالْجَمَاعَةُ؟ قُلْتُ: " سَأَلْتُ عَنْهَا الْعُلَمَاءَ فَكُلٌّ يُخْبِرُ وَيَقُولُ: إِنَّ صِفَةَ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ مُخْلِصًا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَإِنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَالْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَتِ الْأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ، وَيَشْهَدُ الْعَبْدُ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ لِسَانِهِ وَعَقَدَ عَلَيْهِ قَلْبُهُ، وَالْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ مِنَ اللَّهِ، وَيَعْلَمُ الْعَبْدُ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ، وَالْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ عَلِمَ مِنْ خَلْقِهِ مَا هُمْ فَاعِلُونَ، وَمَا هُمْ إِلَيْهِ صَائِرُونَ، فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ" وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ خَلْفَ كُلِّ إِمَامٍ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَصَلَاةُ الْمَكْتُوبَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُقَدِّمَ وَقْتًا أَوْ تُؤَخِّرَ وَقْتًا، وَأَنْ نَشْهَدَ لِلْعَشَرَةِ الَّذِينَ شَهِدَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قُرَيْشٍ بِالْجَنَّةِ، وَالْحُبُّ وَالْبُغْضُ لِلَّهِ وَفِي اللَّهِ، وَإِيقَاعُ الطَّلَاقِ إِذَا جَرَى كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالتَّقْصِيرُ فِي السَّفَرِ إِذَا سَافَرَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا بِالْهَاشِمِيِّ - ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلًا - وَتَقْدِيمُ الْإِفْطَارِ وَتَأْخِيرُ السَّحُورِ، وَتَرْكِيبُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ فِي الصَّلَاةِ، وَالْجَهْرُ بِآمِينَ، وَإِخْفَاءُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَأَنْ تَقُولَ بِلِسَانِكَ وَتَعْلَمَ يَقِينًا بِقَلْبِكَ أَنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ عَلِيٌّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَالْكَفُّ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْإِيمَانُ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَمُنْكَرٍ وَنكِيرٍ وَالصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُخْرِجُ أَهْلَ الْكَبَائِرِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ النَّارِ، وَأَنَّهُ لَا يُخَلَّدُ فِيهَا إِلَّا مُشْرِكٌ، وَأَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَرَوْنَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِأَبْصَارِهِمْ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَأَنَّ الْأَرْضَ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالسَّمَاوَاتِ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ، سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ. قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ هَذَا مِنِّي أَمَرَ بِي فَقَلَعَ لِي أَرْبَعَةَ أَضْرَاسٍ، وَقَالَ: أَخْرِجُوهُ عَنِّي لَا يُفْسِدُ عَلَيَّ مَا أَنَا فِيهُ، فَأُخْرِجْتُ فَلَقِيتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ فَسَأَلَنِي عَمَّا جَرَى بَيْنِي وَبَيْنَ الْخَلِيفَةِ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: لَا نَسِيَ اللَّهُ لَكَ هَذَا الْمَقَامَ حِينَ تَقِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ نَكْتُبَ هَذَا عَلَى أَبْوَابِ مَسَاجِدِنَا، وَنُعَلِّمَهُ أَهْلَنَا وَأَوْلَادَنَا، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى ابْنِهِ صَالِحٍ، فَقَالَ: اكْتُبْ هَذَا الْحَدِيثَ وَاجْعَلْهُ فِي رَقٍّ أَبْيَضَ وَاحْتَفِظْ بِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ خَيْرِ حَدِيثٍ كَتَبْتَهُ، إِذَا لَقِيتَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَلْقَاهُ عَلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإبانة الكبرى لابن بطة رحمه الله ( رقم : 456 ) ( 6 / 284 )

دار الراية للنشر والتوزيع، الرياض

النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وبعد :
فقد أشكل على في هذا المنشور هذه الكلمة التي قالها السفاريني - رحمه الله - في شرحه للحديث وهي ( وَاسْتِنْشَـــارُهُ عُلُومَهَــــا وَنَشْــــرُهَا ) فوقفت حائراً عندها لأعرف معناها قبل النشر فسألت سبعة من شيوخي وإخواني أهل العلم والفضل وكان خير جواب وصلني منهم هو ما شرحه لي أخونا الفاضل أبو المنذر المصري عبر الهاتف وسأقوم بتوضيحه مجملاً ثم مفصلاً وسأزيد عليه ما وقفت عليه من كلام أهل العلم في ثنايا الكلام لتكمل الفائدة :
فهذه الكلمة جاءت في أربعة أقوال لأهل العلم بألفاظ مختلفة وقول خامس يرجح الصواب من هذا الألفاظ ، سأذكر لك هذا الألفاظ الأربع مجملة ثم سأذكر لك الأقوال الخمسة مفصلة فيما بعد .
📕 اللفظ الأول : للإمام الخطابي ( ت : 388 هـ ) - رحمه الله - : (( واستئثار علومها )) نقله عنه ابن دقيق العيد ( ت 702 هـ ) - رحمه الله - في شرح الأربعين النووية (1 /31) .
والاِسْتِئْثَارُ في اللغة هو : الاِسْتِئْثَارُ بِالخَيْرَاتِ : أي الاسْتِحْوَاذُ عَلَى الخَيْرَاتِ .
أي يستحوذ على علوم السنة ثم ينشرها ففاقد الشيء لا يُعطيه ، أو أن يعرف ويستحوذ على كل ما قيل في الباب الذي سينشره بين الناس .
📕 اللفظ الثاني : للإمام ابن الصلاح ( ت: 643 هـ ) - رحمه الله - : (( واستشارة علومها ، ونشرها )) وهو في كتاب صيانة صحيح مسلم .
والمعني اللغوي يَستشير .
أي يستشير من عنده علم بالسنة قبل أن ينشرها بين الناس ليصوبوا له خطئه فتصل السنة للناس بيضاء نقية .
📕 اللفظ الثالث : لإمام ابن رجب الحنبلي ( ت : 795 هـ ) - رحمه الله - : (( واستثارة علومها ، ونشرُها )) وهو في كتاب جامع العلوم والحكم" (1/ 233) .
والاستثارة في اللغة هي حالة انفعال أو تلهُّف .
وكأنه يريد أن يقول لا ينشر السنة بين الناس إلا من كان قلبه مستثيراً متلهفاً بحبها وحب صاحبها صلى الله عليه وسلم .
📕 اللفظ الرابع : للسفاريني (ت : 1188 هـ ) - رحمه الله - : (( وَاسْتِنْشَـــارُهُ عُلُومَهَــــا ، وَنَشْــــرُهَا )) وهو في كتاب غذاء الألباب .
ومعني إِستَنشَر في اللغة طلب أن ينشر .
وهذا احتمال بعيد لسياق الكلام فكيف يطلب من غيره أن ينشر ثم ينشر هو بعد !
فالظاهر والله أعلم أنه تصحيف صدر من الناسخ أو في الطباعة  ستعرف ذلك مفصلاً في نهاية البحث إن شاء الله .
📕 وإليك الآن أقول هؤلاء العلماء نصاً كما جاءت في كتبهم وما نُقل عنهم رحم الله الجميع :
📕 القول الأول : وهو قول الإمام الخطابي ( ت : 388 هـ ) - رحمه الله - نقل قول الخطابي هذا ابن دقيق العيد ( ت 702 هـ ) - رحمه الله - في شرح الأربعين النووية (1 /31) قال : قال الخطابي : " وأما النصيحة لرسوله صلى الله عليه وسلم : فتصديقه على الرسالة، والإيمان بجميع ما جاء به ، وطاعته في أمره ونهيه، ونصرته حيًّا وميتًا، ومعاداة من عاداه، وموالاة من والاه، وإعظام حقه، وتوقيره، وإحياء طريقته وسنته، وإجابة دعوته، ونشر سنته، ونفي التهمة عنها، واستئثار علومها، والتفقه في معانيها، والدعاء إليها، والتلطف في تعليمها، وإعظامها وإجلالها، والتأدب عند قراءتها، والإمساك عن الكلام فيها بغير علم، وإجلال أهلها؛ لانتسابهم إليها، والتخلق بأخلاقه، والتأدب بآدابه، ومحبة أهل بيته وأصحابه، ومجانبة مَن ابتدع في سنَّته، أو تعرَّض لأحد من أصحابه، ونحو ذلك " .
📕 القول الثاني : وهو قول ابن الصلاح ( ت:643 هـ ) - رحمه الله - في صيانة صحيح مسلم : " والنصيحة لرسوله صلى الله عليه و سلم قريب من ذلك : الإيمان به وبما جاء به وتوقيره وتبجيله ،والتمسك بطاعته ، وإحياء سنته ، واستشارة علومها ، ونشرها ومعاداة من عاداهُ وعاداها ، وموالاة من والاهُ ووالاها ، والتخلق بأخلاقه ، والتَّأدُّب بآدابه، ومحبة آله وصحابته ونحو ذلك " .
📕 القول الثالث : وهو قول ابن رجب الحنبلي ( ت : 795 هـ ) – رحمه الله - في جامع العلوم والحكم" (1/ 233) : " والنصيحة لرسوله : قريب من ذلك ؛ الإيمان به وبما جاء به، وتوقيرُه وتبجيلهُ ، والتمسك بطاعته ، وإحياءُ سنته ، واستثارة علومها، ونشرُها، ومعاداةُ من عاداه وعاداها، وموالاةُ من والاه ووالاها، والتخلقُ بأخلاقه ، والتأدبُ بآدابه ، ومحبة آله وصحابته ، ونحو ذلك " .
📕 القول الرابع : وهو قول السفاريني (ت : 1188 هـ ) - رحمه الله – في كتاب غذاء الألباب : (( وَالنَّصِيحَــــــةُلِرَسُولِــــــــهِﷺ
الْإِيمَــــانُ بِهِ وَبِمَا جَــــــاءَ بِهِ، وَتَوْقِيـــــرُهُ وَتَبْجِيلُـــــهُ، وَالتَّمَسُّــــكُ بِطَـــــاعَتِهِ، وَإِحْيَــــاءُ سُنَّتِـــــهِ، وَاسْتِنْشَـــارُهُ عُلُومَهَــــا وَنَشْــــرُهَا، وَمُعَـــــادَاةُ مَنْ عَــــادَاهُ وَعَادَاهَـــــا، وَمُــــوَالَاةُ مَنْ وَالَاهُمَــــــا، وَالتَّخَلُّــــــــــقُ بِأَخْلَاقِــــــــــــهِ، وَالتَّــــــــأَدُّبُ بِآدَابِــــــــهِ، وَمَحَبَّــــــةُ آلِهِ وَصَحَـــــابَتِهِ وَنَحْــــوِ ذَلِكَ " .
📕 القول الخامس : وهو ما حسنه واختاره الشيخ عبد المحسن العباد - حفظه الله - في فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين : قال - حفظه الله - : " ومن أحسن ذلك ما جاء عن أبي عمرو بن الصلاح في كتابه صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط ، وحمايته من الإسقاط والسَّقط ، قال (ص:223 ـ 224): ((والنصيحة لرسوله صلى الله عليه و سلم قريب من ذلك : الإيمانُ به وبما جاء به، وتوقيره وتبجيله، والتمسُّك بطاعته، وإحياء سنَّته، واستشارة ( كذا وفيما نقله عنه ابن رجب: استثارة ) علومها ونشرها، ومعاداة مَن عاداه وعاداها، وموالاة من والاه ووالاها، والتخلُّق بأخلاقه، والتأدُّب بآدابه، ومحبةُ آله وصحابته ونحو ذلك ..." .
📕 وخلاصة الكلام أن هذه اللفظة التي جاءت في كتاب غذاء الألباب للسفاريني - رحمه الله - (( وَاسْتِنْشَـــارُهُ عُلُومَهَــــا ، وَنَشْــــرُهَا )) أنها خطأ مطبعي لأنها تحتمل معنيين لا ثالث لهما :
📕 الأول : أنه يقصد النشر وهذا بعيد لأن الواو حرف عطف يفيد المغايرة قال الشيخ العثيمين - رحمه الله - في تفسيره لقول الله تعالى : ( أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) البقرة157 : " فعطف ( الرحمة ) على ( الصلوات ) والعطفُ يقتضي المغايرة فتبيَّن بدلالة الآية الكريمة ، واستعمال العلماء رحمهم الله للصلاة في موضع والرحمة في موضع : أن الصَّلاة ليست هي الرحمة " . الشرح الممتع " ( 3 / 163 ، 164 ) .
فكيف يقول قائل بأن السفاريني يقصد بها النشر وقد قال بعدها وَنَشْــــرُهَا (( وَاسْتِنْشَـــارُهُ عُلُومَهَــــا ، وَنَشْــــرُهَا )) ؟!
📕 الثاني : وهو ما ذكرته أنفاً أن إِستَنشَر في اللغة بمعني طلب من غيره النشر ، وهذا احتمال بعيد لسياق الكلام فكيف يطلب من غيره أن ينشر ثم ينشر هو بعد ! لأن الصواب أن ينشر هو ثم يدعو غيره للنشر .
والراجح والله أعلم أن اصح هذه الألفاظ وأحسنها هو ما قال به الشيخ عبد المحسن العباد وهو لفظ ابن الصلاح ثم لفظ ابن رجب والله أعلم .

جمع وترتيب / ضاحي الغندور

ثمار وزهور من بستان ابن الغندور [ الشجرة : 89 ]


ثمار وزهور من بستان ابن الغندور [ الشجرة : 88 ]


ثمار وزهور من بستان ابن الغندور [ الشجرة : 87 ]


ثمار وزهور من بستان ابن الغندور [ الشجرة : 86 ]