السبت، 29 يوليو 2017

قال : أَمَرَ بِي فَقَلَعَ لِي أَرْبَعَةَ أَضْرَاسٍ

قال ابن بَطَّة العُكْبَري رحمه الله :
▬▬▬▬▬▬▬▬▬▬
456 - حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ عُبَيْدُ اللَّهِ بنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيِدِ بْنِ مُسَبَّحٍ الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَاسِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّفَّارُ الْقَنْطَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَامَةُ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مَشْكَوَيْهِ الْهَمَذَانِيُّ، قَالَ: " أُدْخِلْتُ عَلَى الْخَلِيفَةِ الْمُتَكَنِّي بِالْوَاثِقِ أَنَا وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَأَقْبَلَ بِالْمَسْأَلَةِ عَلَيَّ مِنْ بَيْنِهِمْ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي رَجُلٌ مُرَوَّعٌ وَلَا عَهْدَ لِي بِكَلَامِ الْخُلَفَاءِ مِنْ قَبْلِكَ. " فَقَالَ: لَا تَرْعَ وَلَا بَأْسَ عَلَيْكَ، مَا تَقُولُ فِي الْقُرْآنِ؟ فَقُلْتُ: «كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ»، فَقَالَ: أَشْهَدُ لَتَقُولَنَّ مَخْلُوقًا أَوْ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ، قَالَ: " فَقُلْتُ: إِنَّكَ إِنْ تَضْرِبْ عُنُقِي، فَإِنَّكَ فِي مَوْضِعِ ذَلِكَ إِنْ جَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَتَثَبَّتْ عَلَيَّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِمَّا أَنْ أَكُونَ عَالِمًا فَتَثْبُتَ حُجَّتِي، وَإِمَّا أَنْ أَكُونَ جَاهِلًا فَيَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تُعَلِّمَنِي لِأَنَّكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَخَلِيفَةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَابْنُ عَمِّ نَبِيِّهِ" فَقَالَ: أَمَا تَقْرَأُ {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]، {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2]، قُلْتُ: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْكُلِّيَّةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ خَاصٌّ أَمْ عَامٌّ؟»، قَالَ: عَامٌّ. قُلْتُ: " لَا، بَلْ خَاصٌّ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23] فَهَلْ أُوتِيَتْ مُلْكَ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ؟ فَحَذَفَنِي بِعَمُودٍ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَخْرِجُوهُ، فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ، فَأُخْرَجْتُ إِلَى قُبَّةٍ قُرَيْبَةٍ مِنْهُ، فَشُدَّ عَلَيْهَا كِتَافِي، فَنَادَيْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّكَ ضَارِبٌ عُنُقِي، وَأَنَا مُتَقَدِّمُكَ، فَاسْتَعِدَّ لِلْمَسْأَلَةِ جَوَابًا" فَقَالَ: أَخْرِجُوا الزِّنْدِيقَ وَضَعُوهُ فِي أَضْيَقِ الْمَحَابِسِ، فَأُخْرِجْتُ إِلَى دَارِ الْعَامَّةِ، فَإِذَا أَنَا بِابْنِ أَبِي دُؤَادٍ يُنَاظِرُ النَّاسَ عَلَى خَلْقِ الْقُرْآنِ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيَّ قَالَ: يَا خُرَّمِيُّ قُلْتُ: «أَنْتَ وَالَّذِينَ مَعَكَ وَهُمْ شِيعَةُ الدَّجَّالِ» فَحَبَسَنِي فِي سِجْنِ بِبَغْدَادَ يُقَالُ لَهُ الْمُطَبَّقُ، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ رُقْعَةً يُشَجِّعُونَنِي وَيُثَبِّتُونَنِي عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ، فَقَرَأْتُ مَا فِيهَا، فَإِذَا فِيهَا:
[البحر البسيط]

عَلَيْكَ بِالْعِلْمِ وَاهْجُرْ كُلَّ مُبْتَدَعٍ ... وَكُلَّ غَاوٍ إِلَى الْأَهْوَاءِ مَيَّالِ
وَلَا تَمِيلَنَّ يَا هَذَا إِلَى بِدَعٍ ... يَضِلُّ أَصْحَابُهَا بِالْقِيلِ وَالْقَالِ
إِنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ ... لَيْسَ الْقُرْآنُ بِمَخْلُوقٍ وَلَا بَالِ
لَوْ أَنَّهُ كَانَ مَخْلُوقًا لَصَيَّرَهُ ... رَيْبُ الزَّمَانِ إِلَى مَوْتٍ وَإِبْطَالِ
وَكَيْفَ يَبْطُلُ مَا لَا شَيْءَ يُبْطِلُهُ ... أَمْ كَيْفَ يَبْلَى كَلَامُ الْخَالِقِ الْعَالِي
وَهَلْ يُضِيفُ كَلَامَ اللَّهِ مِنْ أَحَدٍ ... إِلَى الْبِلَى غَيْرُ ضُلَّالٍ وَجُهَّالِ
فَلَا تَقُلْ بِالَّذِي قَالُوا وَإِنْ سَفِهُوا ... وَأَوْثَقُوكَ بِأَقْيَادٍ وَأَغْلَالِ
أَلَمْ تَرَ الْعَالِمَ الصَّبَّارَ حَيْثُ بُلِيَ ... بِالسَّوْطِ هَلْ زَالَ عَنْ حَالٍ إِلَى حَالِ
فَاصْبِرْ عَلَى كُلِّ مَا يَأْتِي الزَّمَانُ بِهِ ... فَالصَّبْرُ سِرْبَالُهُ مِنْ خَيْرِ سِرْبَالِ
يَا صَاحِبَ السِّجْنِ فَكِّرْ فِيمَ تَحْسِبُهُ ... أُقَاتِلٌ هُوَ أَمْ عَوْنٌ لِقَتَّالِ
أَمْ هَلْ أَتَيْتَ بِهِ رَأْسًا لِرَافِضَةٍ ... يَرَى الْخُرُوجَ لَهُمْ جَهْلًا عَلَى الْوَالِي
أَمْ هَلْ أُصِيبَ عَلَى خَمْرٍ وَمِعْزَفَةٍ ... يُصَرِّفُ الْكَأْسَ فِيهَا كُلَّ ضَلَّالِ
مَا هَكَذَا هُوَ بَلْ لَكِنَّهُ وَرِعٌ ... عَفٌّ عَفِيفٌ عَنِ الْأَعْرَاضِ وَالْمَالِ
ثُمَّ ذَكَرَنِي بَعْدَ أَيَّامٍ وَأَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَأَوْقَفَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: عَسَاكَ مُقِيمًا عَلَى الْكَلَامِ الَّذِي كُنْتُ سَمِعْتُهُ مِنْكَ؟ فَقُلْتُ: «وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي لَأَدْعُوَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي لِيَلِي وَنَهَارِي أَلَّا يُمِيتَنِي إِلَّا عَلَى مَا كُنْتَ سَمِعْتَهُ مِنِّي» قَالَ: أُرَاكَ مُتَمَسِّكًا قُلْتُ: لَيْسَ هُوَ شَيْءٌ قُلْتُهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي، وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ لَقِيتُ فِيهِ الْعُلَمَاءَ بِمَكَّةَ، وَالْمَدِينَةِ، وَالْكُوفَةِ، وَالْبَصْرَةِ، وَالشَّامِ، وَالثُّغُورِ، فَرَأَيْتُهُمْ عَلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ. فَقَالَ لِي: وَمَا السُّنَّةُ وَالْجَمَاعَةُ؟ قُلْتُ: " سَأَلْتُ عَنْهَا الْعُلَمَاءَ فَكُلٌّ يُخْبِرُ وَيَقُولُ: إِنَّ صِفَةَ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ مُخْلِصًا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَإِنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَالْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَتِ الْأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ، وَيَشْهَدُ الْعَبْدُ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ لِسَانِهِ وَعَقَدَ عَلَيْهِ قَلْبُهُ، وَالْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ مِنَ اللَّهِ، وَيَعْلَمُ الْعَبْدُ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ، وَالْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ عَلِمَ مِنْ خَلْقِهِ مَا هُمْ فَاعِلُونَ، وَمَا هُمْ إِلَيْهِ صَائِرُونَ، فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ" وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ خَلْفَ كُلِّ إِمَامٍ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَصَلَاةُ الْمَكْتُوبَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُقَدِّمَ وَقْتًا أَوْ تُؤَخِّرَ وَقْتًا، وَأَنْ نَشْهَدَ لِلْعَشَرَةِ الَّذِينَ شَهِدَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قُرَيْشٍ بِالْجَنَّةِ، وَالْحُبُّ وَالْبُغْضُ لِلَّهِ وَفِي اللَّهِ، وَإِيقَاعُ الطَّلَاقِ إِذَا جَرَى كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالتَّقْصِيرُ فِي السَّفَرِ إِذَا سَافَرَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا بِالْهَاشِمِيِّ - ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلًا - وَتَقْدِيمُ الْإِفْطَارِ وَتَأْخِيرُ السَّحُورِ، وَتَرْكِيبُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ فِي الصَّلَاةِ، وَالْجَهْرُ بِآمِينَ، وَإِخْفَاءُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَأَنْ تَقُولَ بِلِسَانِكَ وَتَعْلَمَ يَقِينًا بِقَلْبِكَ أَنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ عَلِيٌّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَالْكَفُّ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْإِيمَانُ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَمُنْكَرٍ وَنكِيرٍ وَالصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُخْرِجُ أَهْلَ الْكَبَائِرِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ النَّارِ، وَأَنَّهُ لَا يُخَلَّدُ فِيهَا إِلَّا مُشْرِكٌ، وَأَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَرَوْنَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِأَبْصَارِهِمْ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَأَنَّ الْأَرْضَ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالسَّمَاوَاتِ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ، سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ. قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ هَذَا مِنِّي أَمَرَ بِي فَقَلَعَ لِي أَرْبَعَةَ أَضْرَاسٍ، وَقَالَ: أَخْرِجُوهُ عَنِّي لَا يُفْسِدُ عَلَيَّ مَا أَنَا فِيهُ، فَأُخْرِجْتُ فَلَقِيتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ فَسَأَلَنِي عَمَّا جَرَى بَيْنِي وَبَيْنَ الْخَلِيفَةِ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: لَا نَسِيَ اللَّهُ لَكَ هَذَا الْمَقَامَ حِينَ تَقِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ نَكْتُبَ هَذَا عَلَى أَبْوَابِ مَسَاجِدِنَا، وَنُعَلِّمَهُ أَهْلَنَا وَأَوْلَادَنَا، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى ابْنِهِ صَالِحٍ، فَقَالَ: اكْتُبْ هَذَا الْحَدِيثَ وَاجْعَلْهُ فِي رَقٍّ أَبْيَضَ وَاحْتَفِظْ بِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ خَيْرِ حَدِيثٍ كَتَبْتَهُ، إِذَا لَقِيتَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَلْقَاهُ عَلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإبانة الكبرى لابن بطة رحمه الله ( رقم : 456 ) ( 6 / 284 )

دار الراية للنشر والتوزيع، الرياض

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق