الجمعة، 28 يوليو 2017

جواز أخذ طالب العلم الشرعي من الزكاة والهداية

نصيحة وتذكير
لطالب العلم الشرعي المحتاج
ولصاحب المال الذي يريد مساعدته
▬▬▬▬▬▬▬▬▬▬▬
📕 اعلم أخي وفقني الله وإياك لمرضاته أن طالب العلم الشرعي لو ملك من الأموال ككنوز قارون ما سدت هذه الأموال حاجته في شراء الكتب والأبحاث والسفر إلى العلماء وما يريد فعله من أفعال خيرية يخدم بها المسلمين في دينهم ودنياهم ، ولكن ينبغي على طالب العلم أن يعيش بعزة نفس فلا يطلب من أحد شيئاً وإن لم يجد ثمن الكتاب أو ثمن الزواج أو زاد السفر لطلب العلم إلا أن يكون مقترضاً فمن مد يده قد لا يستطيع أن يمد لسانه ، وكذلك إذا جاءه المال من أحد يظن أنه سيمن عليه به بعد ذلك فلا يأخذه ،
📕 أما إذا جاءه المال من غير سؤال منه كهدية أو حتى من الزكاة من أحد يحبه أو يريد مساعدته لما يراه فيه من حرصه على الطلب ونفع المسلمين وحاجته لهذا المال جاز له أخذه هذا المال بلا كراهة لما أخرجه البخاري ومسلم عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ [ بن عمر ] ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْطِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الْعَطَاءَ، فَيَقُولُ لَهُ عُمَرُ: أَعْطِهِ، يَا رَسُولَ اللهِ، أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ أَوْ تَصَدَّقْ بِهِ، وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَمَا لَا، فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ )) قَالَ سَالِمٌ: (( فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا وَلَا يَرُدُّ شَيْئًا أُعْطِيَهُ )) (1) .
📕 قال النووي رحمه الله في شرح مسلم :
(( وَالْمُشْرِفُ إِلَى الشَّيْءِ هُوَ الْمُتَطَلِّعُ إِلَيْهِ الحريص عليه )) (2) .
📕 وقال أيضاً رحمه الله في المجموع :
(( إذَا عُرِضَ عَلَيْهِ مَالٌ مِنْ حَلَالٍ عَلَى وَجْهٍ يَجُوزُ أَخْذُهُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ مَسْأَلَةٌ وَلَا تَطَلُّعٌ إلَيْهِ جَازَ له اخذه بلا كراهية وَلَا يَجِبُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ يَجِبُ لِحَدِيثِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ... )) وذكر الحديث ثم رد على من قال من الظاهرية ( بوجوب الأخذ ) بحديث حكيم ابن حزام الذي في البخاري ( 1472 ) ومسلم ( 1035 ) راجع المجموع للنووي ( 6 / 245 ) ط / دار الفكر .
📕 وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
السائل : أرسل إلي أحد أقاربي مبلغا كبيرا من المال بمناسبة زواجي ، يقصد به مساعدتي . هل أقبله أم أن العفاف أولى والاكتفاء بما أملك؟
فأجاب علماء اللجنة :
(( لا بأس بقبوله دون استشراف نفس ، ويكافأ عليه إذا تيسر ذلك بما يناسب ، أو يُدعى له ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : " من صنع إليكم معروفا فكافئوه ، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له ، حتى تروا أنكم قد كافأتموه " رواه أبو داود والنسائي )) (3) .
📕 قال العثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين :
(( كان ابن عمر رضي الله عنهما لا يسأل أحداً شيئاً، وإذا جاءه شيء من غير سؤال قبله، وهذا غاية ما يكون من الأدب، إلا تذل نفسك بالسؤال، ولا تستشرف للمال وتعلق قلبك به .
وإذا أعطاك أحد شيئاً فاقبله؛ لأن رد العطية والهدية قد يحمل من أعطاك على كراهيتك فيقول: هذا الرجل استكبر، هذا الرجل عنده غطرسة، وما أشبه ذلك .
فالذي ينبغي أن من يعطيك تقبل منه ولكن لا تسأل، إلا إذا كان الإنسان يخشى ممن أعطاه أن يمنَّ به عليه في المستقبل فيقول: أنا أعطيتك، أنا فعلت معك كذا وكذا وما أشبه ذلك، فهنا يرده؛ لأنه إذا خشي أن يقطع المعطي رقبته بالمنة عليه في المستقبل؛ فليحمِ نفسه من هذا )) (4) .
وكل ما سبق عام يدخل فيه كل مسلم محتاج وهو في حق طالب العلم أولى .
📕 أما عن أخذ طالب العلم من الزكاة
📕 جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ما يلي :
(( اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ إِعْطَاءِ الزَّكَاةِ لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ، إِذْ أَنَّهُمْ يُجَوِّزُونَ إِعْطَاءَ الزَّكَاةِ لِلصَّحِيحِ الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ، وَلَوْ كَانَ تَرْكُهُ التَّكَسُّبَ اخْتِيَارًا عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى جَوَازِ أَخْذِ طَالِبِ الْعِلْمِ الزَّكَاةَ وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا إِذَا فَرَّغَ نَفْسَهُ لإِِفَادَةِ الْعِلْمِ وَاسْتِفَادَتِهِ، لِعَجْزِهِ عَنِ الْكَسْبِ.
نَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْمَبْسُوطِ قَوْلَهُ: لاَ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَى مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا إِلاَّ إِلَى طَالِبِ الْعِلْمِ، وَالْغَازِي، وَمُنْقَطِعِ الْحَجِّ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَالأَْوْجَهُ تَقْيِيدُهُ بِالْفَقِيرِ وَيَكُونُ طَلَبُ الْعِلْمِ مُرَخِّصًا لِجَوَازِ سُؤَالِهِ مِنَ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ إِذْ بِدُونِهِ لاَ يَحِل لَهُ السُّؤَال.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ تَحِل لِطَالِبِ الْعِلْمِ الزَّكَاةُ إِذَا لَمْ يُمْكِنِ الْجَمْعُ بَيْنَ طَلَبِ الْعِلْمِ وَالتَّكَسُّبِ بِحَيْثُ لَوْ أَقْبَل عَلَى الْكَسْبِ لاَنْقَطَعَ عَنِ التَّحْصِيل.
قَال النَّوَوِيُّ: وَلَوْ قَدَرَ عَلَى كَسْبٍ يَلِيقُ بِحَالِهِ إِلاَّ أَنَّهُ مُشْتَغِلٌ بِتَحْصِيل بَعْضِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ بِحَيْثُ لَوْ أَقْبَل عَلَى الْكَسْبِ لاَنْقَطَعَ مِنَ التَّحْصِيل حَلَّتْ لَهُ الزَّكَاةُ، لأَِنَّ تَحْصِيل الْعِلْمِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَأَمَّا مَنْ لاَ يَتَأَتَّى مِنْهُ التَّحْصِيل لاَ تَحِل لَهُ الزَّكَاةُ إِذَا قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا بِالْمَدْرَسَةِ.
وَقَال الْبُهُوتِيُّ: وَإِنْ تَفَرَّغَ قَادِرًا عَلَى التَّكَسُّبِ لِلْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لاَزِمًا لَهُ - وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالتَّكَسُّبِ أُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ لِحَاجَتِهِ.
وَسُئِل ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَمَّنْ لَيْسَ مَعَهُ مَا يَشْتَرِي بِهِ كُتُبًا يَشْتَغِل فِيهَا، فَقَال: يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنَ الزَّكَاةِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ الَّتِي لاَ بُدَّ لِمَصْلَحَةِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ مِنْهَا.
قَال الْبُهُوتِيُّ: وَلَعَل ذَلِكَ غَيْرُ خَارِجٍ عَنِ الأَْصْنَافِ، لأَِنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَحْتَاجُهُ طَالِبُ الْعِلْمِ فَهُوَ كَنَفَقَتِهِ.
وَخَصَّ الْفُقَهَاءُ جَوَازَ إِعْطَاءِ الزَّكَاةِ لِطَالِبِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ فَقَطْ.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِجَوَازِ نَقْل الزَّكَاةِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ لِطَالِبِ الْعِلْمِ ))(5) .
📕 وتكملة لما نقلته الموسوعة مختصراً من كلام البهوتي قال البهوتي رحمه الله :
(( وَإِنْ تَفَرَّغَ قَادِرًا عَلَى التَّكَسُّبِ لِلْعِلْمِ) الشَّرْعِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا لَهُ (وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ) بَيْنَ الْعِلْمِ وَالتَّكَسُّبِ (أُعْطِيَ) مِنْ الزَّكَاةِ لِحَاجَتِهِ.
وَ (لَا) يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ (إنْ تَفَرَّغَ) قَادِرٌ عَلَى التَّكَسُّبِ (لِلْعِبَادَةِ) لِقُصُورِ نَفْعِهَا عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْعِلْمِ )) (6) .
جمع وترتيب / ضاحي الغندور
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البخاري ( 1473 ) ومسلم ( 1045 ) .
(2) شرح مسلم للنووي ( 7 / 134 ) ط / دار إحياء التراث العربي - بيروت .
(3) "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/176) .
(4) شرح رياض الصالحين ( 3 / 396 ) ط / دار الوطن للنشر، الرياض .
(5) الموسوعة الفقهية الكويتية ( 28 / 336 )

(6) كشاف القناع ( 2 / 273 ) ط / دار الكتب العلمية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق