الجمعة، 17 فبراير 2017

القاضي أبو يوسف وأكل الفالوذج بدهن الفستق

قَالَ يعقوب بْن إِبْرَاهِيم أَبُو يوسف القاضي: تُوُفِّيَ أبي إِبْرَاهِيم بْن حبيب وخلَّفني صغيرًا فِي حجر أمي، فأسلمتني إلى قصَّار أخدمه، فكنتُ أدع القصار وأمرُّ إلى حلقة أبي حنيفة فأجلس أستمع، فكانت أمي تجيء خلفي إلى الحلقة، فتأخذ بيدي وتذهب بي إلى القصار، وكان أَبُو حنيفة يعنى بي لما يرى من حضوري وحرصي عَلَى التعلم، فلما كثر ذَلِكَ عَلَى أمي وطال عليها هربي، قَالَتْ لأبي حنيفة: ما لِهذا الصبي فسادٌ غيرك، هذا صبي يتيم لا شيء لَهُ، وإنما أطعمه من مغزلي وآمل أن يكسب دانقًا يعود بِهِ عَلَى نفسه. فقال لَهَا أَبُو حنيفة: مُري يا رعناء هذا هُوَ ذا يتعلم أكل الفالوذج بدهن الفستق، فانصرفت عَنْهُ وقالت لَهُ: أنت شيخٌ قد خرفت وذهب عقلك، ثُمَّ لزمته فنفعني الله بالعلم ورفعني حتى تقلدت القضاء، وكنت أجالس الرشيد وآكل معه عَلَى مائدته، فلما كَانَ فِي بعض الأيام قدم إلي هارون فالوذجة فقال لي هارون يا يعقوب كل منه فليس كل يوم يعمل لنا مثله. فقلتُ: وما هذه يا أمير المؤمنين؟ فقال:
هذه فالوذجة بدهن الفستق، فضحكتُ. فقال لي: مم ضحكت؟ فقلتُ: خيرًا، أبقى الله أمير المؤمنين، قَالَ: لتخبرني- وألحّ علي- فخبرته بالقصة من أولها إلى آخرها فعجب من ذَلِكَ. وقال: لعمري إن العلم ليرفعُ وينفع دينًا ودنيا، وترحم عَلَى أبي حنيفة، وقال: كَانَ ينظر بعين عقله مالا يراهُ بعين رأسه.

تاريح بغداد للخطيب ( 14 / 247 )
ط / دار الكتب العلمية - بيروت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق